د. نوف بنت محمد الزير
التعليم بمختلف صوره وأشكاله وتعدد مستوياته مناط به تطور الأمم وتقدم الحضارات ورقيّ الشعوب.
ولم يزل المتعلمون والمتعلمات هم عماد القوة الحقيقية التي تفوق قوة السلاح والعتاد على مرّ التاريخ، إذا كان تعليمهم تعليماً جاداً تنموياً يبني الثقافة والمهارة والقيم والسلوك. وتبقى الأمم قوية مهابة متقدمة ما قوي فيها التعليم وتقدّم.
حقائق ومسلّمات يقرّ بها العالم أجمع على اختلاف ثقافاته وتعدد مشاربه.
ولقد تعددت أشكال التعليم ومساراته ومستوياته، ومن أنواع التعليم في بلادنا المباركة الذي سارت عليه دول كثيرة في العالم: التعليم عن بُعد والذي يخدم شريحة عريضة من المواطنين والمقيمين ويعطي دفعة قوية ومحفزاً كبيراً لإكمال مسيرة التعلّم مهما تعددت المشاغل وتكالبت الظروف وتقدم العمر وضاق الوقت فثمة فرصة جديرة بالاقتناص!
التعليم عن بُعد يُعدّ فرصة كبيرة في سلّم الطموح لا يُعذر أحد بعدم استثمارها.
كما أنه خطوة رائعة في مسيرة التنمية المستدامة والاقتصاد المعرفي الذي ينبغي أن تركز عليه الدول النفطية بشكل خاص التي تسعى جاهدة إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز المعرفة لأنها عماد كل الكيانات القوية على مستوى العالم.
بل إن معظم الدول التي شكلت رقماً صعباً في الاقتصاد العالمي جعلت من العلم المصدر الأول للاقتصاد كالصين واليابان وغيرها، سيما وأنها من الدول غير النفطية الأمر الذي جعلها تركز على قيمة أقوى من النفط نفسه وهو الاستثمار في التعليم.
مما يعطي تجربة ناطقة لمن يسعى لتنويع مصادر الاقتصاد وتخفيف حدة ما قد يتعرض له العالم الذي جعل قوته في نقطة تركيز واحدة.
ومن أكثر ما يجعل للتعليم عن بُعد إسهاماً قوياً في التنمية المستدامة إعادة صياغة بعض مفرداته وأساليبه وتحديث استخدام التكنولوجيا التعليمية وفق معايير الجودة، وذلك بتطوير نظام الدراسة عن بعد وزيادة نسبة المرونة الفاعلة الجادة فيه وتركيزه على كتب علمية وشروحات منهجية وتقنيات تعليمية والابتعاد فيه عن المذكرات الهزلية التي تعج بها كثير من مراكز الخدمات الجامعية!! وتفعيل إسهام الملتحقين به في عملية التنمية بأن تكون لهم أولوية في الدورات التطويرية والمسابقات التحفيزية ونسبة عالية بعد التخرج في الفرص الوظيفية.
على أن هاجس كثير من الملتحقين بالتعليم عن بعد ماذا يمكن أن يعملوا بعد تخرجهم؟!
أليس الأولى أن تكون نسبة من الإعلانات الوظيفية مخصصة للمتعلمين والمتعلمات عن بعد؟! بدل أن تفاجئنا كثير من الإعلانات الوظيفية بشرط من شروط الالتحاق بالوظيفة: ألا يكون المتقدم من طلاب وطالبات التعليم عن بعد!
كذلك التركيز على المواد التربوية وإتاحة ساعات للتدريب الميداني يعطي للتعليم عن بُعد هوية جديدة قادرة على المشاركة في شغل الوظائف المتنوعة الشاغرة وما في حكمها وتقليص عدد العمالة الوافدة!!
ثم إذا تم تطوير التعليم عن بعد وتوسيع دائرته في الدراسات العليا الدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه فسيكون ذلك بإذن الله فرصة أرحب وميدان أوسع للتنمية المجتمعية كما هو منهج عدة جامعات عالمية تمنح شهادات الدراسات العليا عن بُعد لمختلف المتقدمين لها من أنحاء العالم المتفرقة.
إن مئات الآلاف من طلاب وطالبات التعليم عن بُعد يمكن أن يشكلوا قوة استثمارية وحضارية فاعلة قادرة على المشاركة المجتمعية في مجالات متعددة.
كما يمكنهم تعزيز منظومة الاقتصاد المعرفي وزيادة الإنتاجية الثقافية والعلمية والعملية وتفعيل توجه الدولة لتنظيم العمل عن بُعد سيما فيما يتعلق بالمرأة وذوي التحديات الخاصة وقاطني الهجر والمناطق النائية وأصحاب الظروف الصعبة. ومن المؤكد أن استثمار الروح العالية للمتعلمين عن بُعد والتي كانت دافعاً لهم لإكمال تعليمهم وتجاوز العقبات والظروف المتعددة يُعد مكافأة رائعة يقدمها الوطن لمواطنيه وشكراً عملياً على كفاحهم وتهنئة صادقة بنجاحهم واحتفاءً حقيقياً يدفعهم لمزيد من العطاء والتألق في القيام بما يوكل إليهم من مهام على أحسن وجه وأكمله وأتمه.
نترقب من جهات الاختصاص ذات العلاقة المباشرة بالاقتصاد والتنمية ما يثلج الصدر في هذا المجال الحيوي الهام الشبيه بطاقة كامنة تنتظر من يدرك أهميتها ويحسن استثمارها ويُفعِّل دورها.
وفي حكمة من يهمه الأمر وسداد رأيه ما يجعلنا على أتم ثقة بتفعيل ذلك في أقرب وقت بإذن الله فيما يحقق مصالح البلاد والعباد.