مع كل هذه التظاهرة العربية والعالمية التي شكلت تأييداً غير عادي لعاصفة الحزم، فإن وسائل الإعلام الموالية رغم متابعاتها الجيدة، فإنها لم تكن حاضرة بذات الزخم والمهنية والحرفية التي تتناسب وحجم الحدث، ومع هذا فقد خدمها قادة الإعلام المعادي الذي لعب دور المستفز بنقله صورة مشوهة وغير صحيحة عن سير العاصفة، اعتمد فيها على الأكاذيب والخداع والتضليل، ومكن بعض الإعلاميين العرب الملوثة أسماؤهم بكل ما هو سيئ بتمرير هذا الدور فيما بينهم، بأمل جر العاصفة إعلامياً إلى هذا المنحنى، فإذا بما تحدثوا به ويتحدثون عنه ينطبق عليه «ما بني على باطل فهو باطل».
***
حكومتنا وشركاتنا ومؤسساتنا وحتى الأفراد ينفقون من المال لتطوير وسائل الإعلام -وهذا شيء جيد- أكثر مما يصرفه الإعلام المعادي على دكاكينه بكثير، ومن المهم التذكير بأنه لا ينقصنا معرفة الطريق الصحيح إعلامياً لخدمة مصالحنا، وأن لدينا كفاءات إعلامية قادرة على هزيمة الأعداء لا منافستهم في هذا الميدان، حتى وإن نجحت إيران في تحقيق هذا الاصطفاف الإعلامي الكبير لخدمة أهدافها العدوانية، بما مكنها من أن يكون بتصرفها كل هذا العدد الكبير من الفضائيات ووسائل التواصل الأخرى، غير أنها وسائل إعلامية لا يمكن أن يكون لها ذلك التأثير طالما أنها تعتمد إعلامياً على أسماء مشبوهة، وعلى معلومات تفتقد إلى المصداقية والموضوعية.
***
لدينا وسائل إعلام عالية المستوى، تعود ملكيتها إلى حكومات وأغلبها إلى مواطنين من المملكة ودول الخليج، تتمثل في قنوات فضائية وصحافة ورقية، ومواقع معلوماتية على الإنترنت، وأصوات إعلامية موهوبة، واستخدام واسع لوسائل الاتصال الاجتماعي بمختلف أنواعه، ولكنها جميعاً تحتاج إلى مزيد من العمل كي تواصل تفوقها وتأثيرها، ومن هذه الوسائل تحديداً القنوات التلفزيونية في جميع دول مجلس التعاون، ما يعني أهمية التأكد أن ما يصرف عليها من ميزانية الدول أو الشركات أو الأفراد يجب أن يفضي إلى تحقيق الأهداف المرسومة لها.
***
فالعميد أحمد عسيري مثلاً بإيجازه اليومي المتفوق عن عاصفة الحزم أدى عملاً إعلامياً واحترافياً وصادقاً يوازي مؤسسة إعلامية كاملة، لمصداقيته ولغته وأسلوبه وتناوله لسير العمل العسكري الذي تقوم به عاصفة الحزم بشفافية عالية، وعالج بثقافته الواسعة القصور الذي لوحظ في بعض الإعلاميين الذين كانوا يتناوبون في توجيه الأسئلة له عن سير المعركة، وسبب ذلك نقص الخبرة والتدريب والمهارات لدى أغلب هؤلاء الإعلاميين، ما يعني ضرورة أن يشكل هذا الانطباع ضمن أدوات أخرى الاهتمام المتوقع لإعلام المستقبل بتطويره والارتقاء بمستواه.
***
فالإعلام عامل جد مهم في المساندة والدعم للقوات المسلحة في عملية (عاصفة الحزم) وبوسائله يمكن له تجييش الناس وتقريبهم والتأثير فيهم؛ لفهم حقيقة مسارات وخطط هذه القوة والسياسات التي تدافع بها عن مصالحنا وتحمينا من أعدائنا، وهو ما يعني أهمية الشراكة بين جيش قوي وإعلام مهني ومحترف يساند توجهاته، ويلبي تطلعاته، ومن ثم يضعه حيث هو المنتصر الذي ألحق الهزيمة بالحوثيين وأتباع علي عبدالله صالح بعيداً عن التضليل والادعاءات الكاذبة التي تصدر من الطرف الآخر.
***
وقد يكون من المصلحة في مرحلة ما أن نقول بهذا صراحة، ونواجه به المسؤولين، وأن يتلو ذلك إعادة النظر من حين لآخر في السياسات الإعلامية لدينا، بدءاً من حسن اختيار القيادات المسؤولة عنها، مروراً بالعناصر البشرية والتجهيزات الفنية فيها، وانتهاء بالاهتمام بالجمهور، وتلبية تطلعاته، بأعمال إعلامية تتسم بقدر كبير في مصداقيتها ومهنيتها ومتابعتها، وبذلك يتم الدفع باستمرار التفوق الإعلامي وفقاً لمتطلبات كل مرحلة، وبما ينسجم مع التطلعات التي تنشدها.
***
لقد جاءت عاصفة الحزم، وتأتي الآن عملية إعادة الأمان لتذكرنا بأهمية أن ندرك نقصنا، ونعالجه، ونبث فيه روح الحياة من جديد، ونتوقف عند مظاهر التفوق وندعمها ونكرس استمرار نجاحها، فكل الإمكانات متاحة لنا بأكثر مما هي لدى غيرنا، ولفتة جادة من قيادات أجهزة الإعلام في دول مجلس التعاون كفيلة بمتابعة هذا الأمر، بما يتفق مع مصالحنا وإستراتيجيتنا المستقبلية، وهو ما دعاني إلى إثارة هذا الموضوع، أما ما شجعني عليه أكثر فهو ثقتي بأن الأجهزة والهيئات والمؤسسات الإعلامية ستكون ضمن الأولويات في الإصلاحات الإعلامية القادمة.