خالد البواردي
منذ أكثر من شهر خرجت مع صديق لمقهى، وحدث بيننا حوارٌ عن وزارة العمل، كان الحوار هادئاً ولم أنوِ وقتها الكتابة عما دار في هذا الحوار، ولكن رغم هدوء النقاش إلا أنه عالق في ذهني إلى يومنا هذا، لأنه مخيف ويهدد اقتصادنا، ويزيد من البطالة بطريقة غير مباشرة.
بدأ الحوار عندما ذكرت لصديقي بأني حضرت مجلساً فيه أحد الرؤساء التنفيذيين لإحدى أكبر الشركات الصناعية، وهي توظّف أكثر من ألفي سعودي، ومن أفضل الشركات في السعودة الحقيقية وليس الوهمية، قلت له إن الرجل سُئل عن خططهم التوسعية في الصناعة فقال: لقد قررنا التوقف عن التوسع بسبب مشاكل السعودة وقرارات وزارة العمل، سألته لماذا لا تذكرون هذا علناً.. ولماذا تشاركون وزارة العمل في احتفالاتها المزعومة في نجاح السعودة؟.. ابتسم، وقال: لا نريد أن نخسرهم.. ثم ذكرت لصديقي أنه وصلني أكثر من عرض لبيع شركات مقاولات، وأن شباب الأعمال يعانون من وزارة العمل ومن قراراتها المجحفة, وأخيراً، قلت له بأنني حضرت ورشة عمل لجهة حكومية لدعم القطاع اللوجستي وذلك لأهميته، وإذا بإحدى الشركات تقول لدينا 500 وظيفة لم نجد لها سعوديين، والآن عرضنا 200 شاحنة للبيع لتقليص أعمال النقليات بسبب عدم توفر سائق سعودي، ثم سألت صديقي، إذا كانت الشركات الصناعية الكبيرة التي نجحت نسبياً في السعودة لا تريد التوسع.. وإذا كانت الشركات الكبيرة والمتوسطة تقلص أعمالها.. كيف سنخلق وظائف جديدة، وإذا كانت شركات المقاولات بدأت تخرج من السوق، من سيبني المشاريع التنموية، وإذا كان شباب الأعمال يفشل في بدء عمله بسبب الوزارة كيف سنخلق شركات جديدة تكبر وتوظف؟!.. قلت له، الوزارة وظّفت الكثير من السعوديين وهذا يُحسب لها، ولكنها تدمر القطاع الذي تنوي أن تعتمد عليه في خلق وظائف، وبعدها سيكون من الصعب العودة إلى الوراء وسنحتاج إلى وقت لبناء ما هدمته الوزارة.. اليوم تستطيع الوزارة بما لديها من صلاحيات مطلقة أن تجبر القطاع الخاص على ما تريد، وإن كان مجحفاً أو غير منطقي، ولكنها لا تستطيع أن تمنع القطاع الخاص من الإفلاس وعدم التوسع، وبالتالي عدم خلق وظائف أو إلغاء وظائف موجودة، بل إنها تعتبر خروج الشركات من سوق العمل والتوقف عن الاستقدام نجاح لها في تقليل الاستقدام?.. الوزارة تعتبر السعودة الوهمية والجبرية هي نجاح سريع للوزارة، بينما هو في المقابل قتل لخلق وظائف في المستقبل، وسيأتي يومٌ لا نجد من يُوظف.. الوزارة اليوم مثل من يبني مبنى جميلاً على قاعدة هشة، سينهار لا محالة وإن أعجب الناس التصميم الخارجي للمبنى.
التفت إليَّ هذا الصديق وابتسم، وقال: هل وزارة العمل تريد حل البطالة.. أم تريد انتصارات إعلامية وهمية؟ فقلت، من خبرتي ومتابعتي لوزارة العمل وإنجازاتها وتصاريحها المضللة بخصوص حجم التوظيف ونجاح برنامج السعودة، هي تريد حل البطالة ولا تستطيع، لذلك تبحث عن نجاح إعلامي وهمي وليس نجاحاً حقيقياً، وتستخدم بعض نجاحاتها الحقيقية للتغطية على مصائب كبرى مثل السعودة الوهمية وعدم وجود خاصية الاستمرارية في برامجها وقتلها للقطاع الخاص تدريجياً.. فقال: شكراً، وهذه الإجابة على تساؤلك.. بعدها قال: رغم أنني موظف وليس لي علاقة بمشاكل السعودة، إلا أنني أضحك وأنا أعلم بأن أهم أهداف الدولة تنويع مصادر الدخل وتطوير وتشجيع الصناعة، وأن الميزة التنافسية لنا في المملكة في القطاع الصناعي هي العمالة والطاقة الرخيصة، وبدون هاتين الميزتين لن نستطيع دعم الصناعة، وأن وزارة التجارة والصناعة تقاتل من أجل تطوير القطاع الصناعي واستقطاب المصانع العالمية، وفي نفس الوقت وزارة العمل تقاتل من أجل القضاء على الميزة الإضافية للقطاع الصناعي في البلد، وهي العمالة الرخيصة، وذلك برفع تكلفة العامل الأجنبي.. لذلك أصبح لدينا وزارة تبني ووزارة تهدم.
حال وزارة العمل بالمعلومات غير الدقيقة التي تصدرها تُذكّرني بتصريح أحد المسؤولين بأن المملكة تسبح على بحر من المياه، فلما توسعنا في الزراعة اكتشفنا أن كلامه غير صحيح، حتى إن معالي وزير المياه الحالي صرح بأنه لو تم الاستغناء عن الزراعة في الثلاثين عاماً السابقة، لكانت هذه الكميات تكفينا لمائتين وخمسين سنة قادمة!.. كارثة تسبب فيها مسئول ولم نتحقق من معلوماته، لذلك نصيحتي أن يتم التحقق من معلومات وزارة العمل وقراراتها، حيث إن كثيراً من هذه القرارات لا تمت للواقع بصلة، ويصيغها «خبراء» ليس لهم خبرة في سوق العمل.