سمر المقرن
أول ما يلفت نظر الزائر إلى أبوظبي هو حضور الشيخ زايد آل نهيان -رحمه الله- في كل مكان، صوره، أقواله، قصصه التي يتناقلها الناس، هذا يؤكد أنه حي في قلب الإمارات، لم يمت، رحل جسده إلا أن أفكاره وخططه ومواقفه كلها باقية في النفوس وعلى أرض الواقع. أذكر هذا من اللون الأخضر اللافت في كل أرجاء أبوظبي، بساط أخضر لا يتخيل أي شخص كيف تمت زراعته وأن تلك الأرض الصحراوية قادرة على أن تلتحف بهذا الخضار، عرفت لماذا تصر أبوظبي على أن تكون خضراء، فقد كانت هذه الأرض التي زرعها الأب زايد، وهناك قصة شهيرة في الأوساط الإماراتية أنه كان في جولة داخل المدينة ولفت نظره وجود أراضي غير مزروعة أمام بيوت بعض المواطنين، فسأل عن سبب عدم اهتمام هؤلاء بتشجير الأراضي البيضاء فبلغه أنه ليس كل شخص بمقدوره أن يتابع الزرع والتشجير فأمر منذ ذلك اليوم وإلى اليوم أن تهتم البلدية بزراعة كل الأراضي البيضاء المواجهة للبيوت. هذه القصة تعطينا الرؤية الواضحة عن سبب اللحاف الأخضر الذي يغطي أبوظبي وكأنها قطعة من أوروبا، إن لم تكن أجمل.
النمو الهائل والمذهل لهذه المدينة وعمق البنية التحتية يثير الدهشة، فالاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التي قد لا يلحظها أي شخص، مثل الزهور الرخامية التي تغطي جدران وأرضية جامع الشيخ زايد الكبير، والتعبيرات التي تنطق بها كونها تجتمع من أنواع زهور كل دول العالم، في رسالة إسلامية نبيلة أن هذا المسجد هو للجميع، وأن من يزوره يشعر بالانتماء والقرب منه، هذا المسجد العظيم هو ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين، جموع غفيرة من البشر تزوره كل يوم، وتتأمل في الطراز المعماري المدروس الذي يجمع بين الطراز المغولي والفاطمي والعثماني، وفي شهر رمضان المبارك تقدم ولائم الإفطار للزوار وثوابها عن الشيخ زايد -رحمه الله- وهذه المحبة التي غرسها الشيخ زايد وما زال يقطف ثمارها حتى بعد وفاته، فقد رحل منذ سنوات ولم يترك ولدًا صالحًا فقط -وفي أولاده البركة- بل ترك شعبًا بأكمله يحبه ويتصدق له ويتذكره ويعيد في كل مناسبة أقواله ومآثره. ليس سرًا يذاع إن قلت لكم أنني في زيارتي لأبوظبي الأسبوع الفائت ولمدة يومين كان أكثر ما يدور من حوارات حول الشيخ زايد -رحمه الله- وهذه ثمار المحبة التي غرسها كما غرس أشجار النمو والازدهار وتعزيز الحضارة وإبرازها لدى الشخص الإماراتي.
أبوظبي مدينة مختلفة لم أشعر فيها بغربة وهذا طبيعي فبلدي والإمارات تعتبران في امتداد مصير ومجتمع واحد، وأبو ظبي حتى في أفكارها السياحية مختلفة، مع أنها تمتلك الإمكانية لفتح أبوابها لأفواج السيّاح إلا أنها تصر أن تحتفظ بنوعية معينة تبحث عن السياحة الترفيهية المقترنة بالثقافة، وهذا أظنه سبب ربط اسم السياحة بالثقافة حتى في مؤسستها السياحية.. جميلة جدًا أبوظبي، والشعور بجمالها يكمن في تلّمس التفاصيل الأنيقة في المدينة الخضراء.