فضل بن سعد البوعينين
فاجأت «عاصفة الحزم» إيران وعملاءها، وجاءت بمتغيرات حاسمة لم يتوقعوها، ولم يستوعبوا بعد، حجم انعكاساتها على الأرض وموازين القوى، وأثرها المتوقع على المنطقة العربية بشكل عام.
جاءت الصدمة مدوية على إعلام إيران، وحزب الله في لبنان، وباقي الدول العربية، ما تسبب في إخراجهم من دائرة الاتزان المصطنع، إلى حلبة المصارعة، ومسرح الصراخ، والردح، والعُهر الإعلامي القائم على القذف، والشتم، والاستعلاء، والكذب البواح.
مجموعة من الإعلاميين المُرتزقة، يُشكّلون فيما بينهم ماكينة الدعاية الصفوية المعنية بقلب الحقائق، ومهاجمة كل من يجرؤ على فضح ممارسات إيران وأعوانها، أو مواجهة أطماعهم، ومخططاتهم التوسعية في المنطقة.. لا يختلف، من حيث المبدأ، مُرتزقة الإعلام عن مُرتزقة الحروب، إلا باختلاف مسرح المواجهة وأدواتها.
أصبح مرتزقة الإعلام، وهم في الغالب من المحترفين، غير المكترثين بالقيم والأخلاق والانتماء الوطني، أداة في أيدي القوى الأجنبية المعتدية، والجماعات الإرهابية، يوجهونهم لضرب دولهم، ومجتمعاتهم، وزعزعة أمنهم واستقرارهم في مقابل الأموال القذرة التي يحصلون عليها، والمكاسب الحزبية والسياسية.
سيل من التهم والإساءات وجّهها بعض الإعلاميين اللبنانيين إلى السعودية وشعبها ورموزها دون خوف أو خجل. لم تكن إساءة عابرة، بل خُطط لها بعناية من خلال برامج حوارية متنوعة، اعتمدت الكذب والنواحة والعنصرية المقيتة، والطائفية المدمرة منهاجاً لها, لن أُخطئ في إعادة ما قاله أولئك الموتورون، ولكني سأذكّرهم بدور السعودية في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وإعادة إعمار لبنان التي بدأت من الجنوب، تأكيداً للبعد الإنساني والقومي لا الطائفي، الذي يروّجون له، إضافة إلى تدخلها الدولي لإنهاء العدوان الإسرائيلي وحماية الأراضي اللبنانية، وجهادها المستمر لإعادة أمن واستقرار لبنان من خلال دعم مؤسساته الشرعية، وفي مقدمها البنك المركزي، والجيش اللبناني، وهما بوابة الأمن والتنمية الاقتصادية.
دور السعودية الرائد في لبنان يمكن إسقاطه على جميع الدول العربية والإسلامية التي احتاجت الدعم والمساندة.
يبدو أن إيران، وحزب الله غير قادرين على المواجهة الحقيقية في أرض المعركة، وهذا ديدنهم، فقد دأبوا على المواجهة من خلال جماعاتهم الموالية، وعملائهم المجنّدين في الدول العربية الذين خاضوا الحروب ضد حكوماتهم بالنيابة، كما يحدث حالياً في اليمن من قِبل الحوثيين.. امتدت المواجهة بالنيابة لتصل الإعلام المُوجه، الذي صوّر النصرة السعودية لشعب اليمن وشرعيته بـ (الاعتداء على الأطفال والنساء)، وألبسه لباس الطائفية، في الوقت الذي تعايش فيه مع تدخل حزب الله والحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق واليمن.
أكثر من 300 ألف شهيد، وتهجير ما يقرب من 13 مليون سوري لم يحمل مُرتزقة الإعلام على الإدانة والتنديد بنظام الأسد وإيران، ولو من باب الحياء، وإبراء الذمة.
بقاء لبنان دون رئيس شرعي، وتعطيل الحياة النيابية، وشؤون الدولة لم يسهم في حملهم على نقد المتسبب وتوجيه اللوم له!.. لا يمكن للتحضر أن يسود في مستنقع الخيانات الوطنية، ومحاربة القومية العربية بسلاح الفرس المتعطش لدماء العرب وأراضيهم.
نجحت إيران في بناء طابورها الخامس من «مرتزقة الحروب والإعلام» في غالبية الدول العربية، وهو أمر لم يحدث في ليلة وضحاها، بل كان نتاج عمل دؤوب وتخطيط إستراتيجي غفلت عنه الدول العربية، أو ربما نأت بنفسها عنه، حتى أصبحت في مرمى طلقاته القاتلة.. استطاعت إيران أن تغرس عملاءها في الإعلام والمؤسسات المجتمعية، والبرلمانات العربية، حتى ضمنت الحصول على الدعم الدائم، وهذا ما ساعدها في تغطية جرائمها، وتمددها، والمواجهة الإعلامية الأخيرة.
لا أخفي سراً إذا ما قلت إن بعض مُرتزقة الإعلام الصفوي/ استفادوا كثيرا من مؤسساتنا الإعلامية، واستمتعوا بالاستضافات الرسمية للمؤتمرات، والمنتديات المحلية ولم يُكسبهم ذلك إلا مزيداً من الحقد والكراهية ضد السعودية وقادتها وشعبها.
يبدو أننا في أمسّ الحاجة إلى إستراتيجية إعلامية كفؤة قادرة على التعامل مع المتغيرات الأخيرة.. وإستراتيجية أمنية للتعامل مع كل من يُسيء للمملكة، وقائمة سوداء لا تُحذف منها أسماء المتطاولين من الإعلاميين، وإن عادوا إلى الحق، بل يُضاف عليها، فمن كانت نجاسته أصيلة لم تطهره مياه العالم.
قوة تأثير السعودية إعلامياً محدودة جداً مقارنة بتأثيرها القوي في المجتمع الدولي، وهذا يفقدها الكثير من المكاسب، ويتسبب في إضعاف مواقفها العادلة، وتوجهاتها القومية.. بناء المنظومة الإعلامية الداخلية والخارجية لا تقل أهمية عن بناء الجيوش، بل أزعم أن قوة الإعلام قد تسقط دولاً وحكومات دون تدخل عسكري.
عوداً على بدء، فمرتزقة الإعلام يتحركون وفق نظرية «الجزرة والعصا»، وكم أرجو أن تطلق السعودية «عاصفة الحزم الإعلامية» لاستئصال الأورام السرطانية التي باتت تنهش الجسد العربي، وتضعفه لمصلحة إيران ومخططها الصفوي التدميري.