د. عبدالواحد الحميد
عجائب العِلم لا تنتهي! فقد استطاع الإنسان أن يصنع المستحيل متسلحاً بالعلم واكتشاف أسرار قوانين الطبيعة. وبالعلم استطاع الإنسان أن يروِّض ويقهر البيئة من حوله فيسافر عبر الجو ويصل في ساعات قليلة إلى أماكن كان يحتاج إلى أشهر عديدة كي يصل إليها، وبالعلم استطاع الإنسان أن ينتصر على أمراض كانت تفتك بالبشر وتقتل الملايين منهم، وبالعلم استطاع أن يضاعف القدرة الإنتاجية للأرض ولعناصر الإنتاج الأخرى أضعافاً مضاعفة؛ فأين تقف حدود العلم!؟
هذا هو السؤال الذي ألهب خيال العلماء والكُتَّاب والمفكرين والباحثين في مراكز دراسات الاستشراف المستقبلي، فظهرت آلاف الكتب والدراسات والأفلام وروايات الخيال العلمي التي تستتشرف المستقبل وتتنبأ بما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة أو كثيرة. والغريب أن الكثير من التنبؤات التي ظن الناس انها مغرقة في الخيال تحققت على أرض الواقع. فها نحن نتحدث عن طريق الهاتف الجوال الصغير مع أناس في أقصى الأرض بالصوت والصورة في ثوان معدودة، ونتابع على الهواء مباشرة المعارك التي تحدث بين الجيوش، ونحصل على أي معلومة نرغب الحصول عليها خلال لحظات من هواتفنا الذكية، وغير ذلك من حقائق حياتنا المعاصرة التي كانت مجرد تنبؤات ضحك لها البعض في زمن سابق باعتبارها ضرباً من الخيال وربما الجنون!
من العجائب التي حققها العلم ولادة طفل بعد وفاة والده بسنوات طويلة بواسطة استخدام الحيوانات المنوية المجمدة للأب المتوفى في تخصيب بويضة لسيدة ربما لم تعرف أو تقابل الأب المتوفى! وقياساً على ذلك قام مؤخراً والدان تايلنديان بتجميد جثة طفلتهما الصغيرة التي توفيت بمرض السرطان على أمل أن يتقدم العلم ذات يوم ويكتشف طريقة لإعادة الحياة إلى الجسد الميت!
وبالطبع فإن ما فعله الوالدان التايلنديان هو ضرب من الجنون، فالله وحده هو الذي يعيد الحياة إلى الموتى، لكن تجميد جثث الموتى على أمل إعادة الحياة إلى أجسادهم ذات يوم صارت تجارة تُدِر الأرباح لبعض الشركات التي تتقاضى أسعاراً باهظة من عملائها المتشبثين بالحياة!
لذلك، يُطِل السؤال مرة تلو المرة: أين تقف حدود العلم!؟ سوف يكتشف الإنسان كل يوم آفاقاً واسعة وجديدة عن طريق العلم، وسوف تكون طموحاته في الاستكشاف بلا حدود، لكنه في النهاية سوف يصطدم بالحقيقة المحزنة وهي أن للعلم حدود مطلقة أو نسبية، وأن الحياة فانية مهما امتدت!