نخطئ كثيراً إذا ما تصورنا أو قادنا تفكيرنا بأن الانتصار في اليمن إنما يمثل نهايةً ووداعاً لكل التحديات التي نواجهها، وأن اليمن بالحالة غير المستقرة التي يمر بها يمكن لنا تشبيهه برأس الأفعى، معتقدين بأن التحديات التي تواجهها الأمة ودول المنطقة تنتهي بالقضاء على القوة لدى مليشيا الحوثيين وعلي صالح - بوصفهما رأس الأفعى - وهي التي سيطرت على اليمن بعد انقلابها على الشرعية، وهذا استنتاج خاطئ أيضاً، فالتحديات كثيرة ومتنوعة، وهي تمس كل مصالحنا ومستقبلنا، ولا تفكير عند المتآمرين علينا سوى تقويض كل إنجاز تاريخي في دولنا، وتحويلها إلى مناطق نفوذ وصراع، ومرتع لصناعة المؤامرات الاستعمارية، وبالتالي جعلها حاضنة لتوالد بغيض وكريه لكل ما يشوه دورنا الطليعي في هذا الجزء المهم من العالم.
***
فبيننا وبمقربة منا، في منطقتنا تحديداً، لا تخلو دولة عربية من حالات تهيىء لمزيد من التحديات المستقبلية، حيث تتمدد في الجسم العربي كما يتمدد السم في جسم اللديغ، حين لا يتم التعامل معها كما يجب إلا بعد أن تستفحل الخطورة، ويصعب العلاج، لتعذر الوصول إلى تحديد نوع العلاج المناسب لمكامن الخطر، بسبب الاسترخاء، وعدم المبالاة، وترك هذه الحالات تتصعب وتكبر وتمتد، دون أن تكون هناك مواجهة مبكرة لتطويقها، مع أنه لو تم ذلك في الوقت المناسب لما كان كل هذا التنامي للأوضاع السيئة التي تمر بها دولنا، ولأمكن لنا أن نحد من آثارها بالقدر الذي يتيح لنا فرصة معالجتها تماماً.
***
انظروا إلى ليبيا وسوريا والعراق والصومال واليمن وإلى دول عربية أخرى مرشحة للمصير ذاته، وراجعوا كيف كان حال حكامها، من حيث الفساد الذي يسود مؤسسات دولهم، ويوصف به مسؤولوها، ثم المعاملة غير الكريمة من هؤلاء الحكام لشعوبهم، وفتشوا عن أسباب هذا الارتماء المذل لدى هؤلاء الحكام في أحضان دول استعمارية معادية للشعوب، لتجدوا هؤلاء مستعدين لبيع دولهم مقابل أن يبقوا في السلطة بحماية سادتهم، دون أي شعور بما تمليه مسؤولياتهم في خدمة شعوبهم والدفاع عن دولهم، واعتبار المال العام أمانة في أعناقهم، وأن أحداً منهم إذا فرَّط بها أو ببعض منها، فهو بذلك قد مهَّد الطريق للوضع المأساوي الذي تمر به المنطقة.
***
هناك اهتمام استعماري دولي غير عادي بالدول العربية، وتدخل خارجي غير مشروع في قرار عدد منها، بل إنها محل أطماع لا تنتهي لدى الغير، ويقوم بعض حكامها بما يدفع بهذا الاتجاه ويشجع عليه، غير آبه بالأصوات الوطنية المخلصة، مفضلاً أن يصغي لصوت المستعمر على أن يتسع صدره لمواطنيه، ما جعل من بعض دولنا على هذا النحو من الضياع والحروب وعدم الاستقرار، مع وجود حالات جيدة ممثلة في دول مجلس التعاون، كان يمكن لهؤلاء محاكاتها في أسلوب إدارة الحكم لدى الدول العربية المتضررة من هذا الانهيار، والتي تعاني من خلل أمني أضعف الاقتصاد وعطل المدارس وأشاع الخوف بين مواطنيها.
***
أمام دولنا فرصة تاريخية قد لا تتكرر باللجوء إلى العقل، واستيعاب ما مرت به بعض دولنا، والتوجه نحو تقصي الأسباب، ومن ثم البحث عن الحلول العادلة لها، تلك التي تساوي بين المواطنين، ومن دون أي تفرقة بين المذاهب والأجناس والمناطق والقبائل، وفقاً لقوانين وأنظمة ومراجع شرعية تحمي للمواطنين حقوقهم، وتحاسب كل من يسيء أو يلحق الضرر بوطنه، وبخاصة من يتبين أنه عميل خطير للأجنبي الذي يتآمر عن بُعد باستخدام بعض العناصر، وهو ما يمثل أخطر التحديات المستقبلية لدولنا.