يوسف المحيميد
بثت قناة العربية مقطعاً قديماً جداً ومثيراً لحسن نصرالله، لم أعرفه إلا من خلال صوته ولثغته، وفاجأني أنه منذ بداياته كان يتحدث عن لبنان ليس كجمهورية مستقلة، ولا حتى كمشروع دولة إسلامية، «وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان، ونائبه في الحق، الولي الفقيه، الإمام الخميني».
هكذا إذن صدّرت إيران الثورة منذ عام 1979، وفق أجندة طويلة المدى، وذلك عبر عملاء عرب، ينفذون ما يوكل إليهم من أعمال ومهام، حتى كان العام 2009 الذي تورط فيه النظام الإيراني بثورة عمّت البلاد، لكنها كانت ثورة سلمية حرّة أبية، فتم قمعها بالعنف والقتل والاعتقال، واستغل النظام الإيراني أحداث الربيع العربي في أواخر العام التالي 2010، ووجد فرصة كبيرة في التدخل المباشر في العواصم العربية، بسياسة خارجية استعمارية، وأصبح الأمر علنياً، حتى لم يعد ذلك سرياً، وادعى الإيرانيون أنهم وجدوا فراغاً سياسياً في هذه الدولة أو تلك، دون الاعتراف بأنهم يديرون أدوات الفتن والشغب، ويدبرون الانقلابات على الحكومات الشرعية، ويوحون للبسطاء من العرب أن الصراع طائفي، وأنها ثورات أقليات مظلومة، ويرددون بأنهم مع حقوق الأقليات المضطهدة، بينما هم يحلمون بأمبراطورية فارسية ويسعون لذلك كثيرا، لسببين الأول: الآطماع وأحلام التوسع، والثاني: التخلص من عبء الداخل وضغوطه، والتردي الاقتصادي الذي تعاني منه إيران جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ سنوات، بسبب برنامجها النووي، والذي هو أحد وسائل القوة والتهديد للمنطقة بأكملها.
لقد كان من المخطط له أن يفعل عبدالملك الحوثي في اليمن، ما فعله نصرالله في لبنان، أي دولة داخل الدولة، وجيش منفصل عن الجيش، أي دولتان وجيشان على أرض واحدة، لكن الأمر بدا سهلاً بالنسبة للحوثيين، خاصة مع دعم إيران لها بالآسلحة والتدريب، سواء بشكل مباشر عن طريق الحرس الجمهوري، أو عبر عميلها في لبنان، بالإضافة إلى دعم المخلوع الذي يسيطر على عدد من ألوية الجيش، عبر انتماءات قبلية أو سيطرة مالية.
ولعل ما يُغضب المرء، ويثير حنقه، هو ما تطرحه القنوات ووكالات الأنباء الأجنبية، وحتى بعض القنوات العربية، بأن ما يحدث في المنطقة هو صراع سعودي إيراني، بينما ما تفعله السعودية ومعها دول التحالف العربية، هو دفاع عن أراض عربية يجمعنا بها الدين والهوية واللغة والمصير المشترك، وكادت أن تقع تحت الاحتلال، وفي أيدي الغرباء الطامعين!
والدليل على الفارق بيننا وبينهم، أن المملكة تدفع المليارات لدول عربية، وتسهم في بنائها، والوقوف معها في أزماتها الاقتصادية، وتستضيف أبناءها للعمل على أراضيها، وتحويل أموالهم إلى دولهم لإنعاش اقتصاداتهم أكثر، بينما إيران تسهم في بناء الكهوف، وتضخ الأسلحة، وتثير الفتن... فشتان بين بناء المدن وبناء الكهوف.