أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فإن دولة الإسلام المباركة المملكة العربية السعودية ،اختصها الله عزوجل واجتباها بما حوته من مقدسات المسلمين ، فهي مهوى الأفئدة ، ومهبط الوحي وموطن التنزيل ، وبلد الرسالة ،ولهذا فلها مكانة عظيمة ومرموقة بين الدول العربية والإسلامية ، وستبقى أبد الدهر -إن شاء الله-ذلك المركز الديني والحضاري الذي تهفو إليه قلوب المسلمين من كل مكان ، وفي هذه العصور المتأخرة ،حيث أكرمها الله سبحانه وتعالى بجمع كلمتها على ولاية واحدة ، وحكم راشد تحت راية التوحيد الخالدة «لا إله إلا الله ، محمد رسول الله « فكلمة التوحيد هي الأساس التي قامت عليه هذه البلاد شعاراً ومنهجاً ، وأصلاً لحياتها ولنظام الحكم فيها ، كما قامت على خدمة كتاب الله وسنة رسوله وتطبيق شرع الله في كافة شؤونها، وخدمة قضايا العرب والمسلمين من ثوابتها التي لا تحيد عنها منذ أن قيض لها من يجمع شتاتها، ويوحد أجزاءها، ويرفع كلمة الله فيها، ويتخذ من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليـه وسلم - دستـورا لها، إنه مؤسس المملكة العربية السعودية، الإمام الراشد والملك الصالح عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - الذي أرسى قواعد هذه البلاد على أصول عقيدة التوحيد الخالص ، وخط لها المنهج السليم الذي تسير عليه ، فـجزاه الله خيرا ، وأجزل له المثوبة ، وأسكنه فسيح جناته.
ولما كان الإسلام ولا يزال وسيظل -بإذن الله -أهم العوامل المؤثرة في مسيرة هذه الدولة المباركة وفي تحديد رسالتها وأهدافها وسياستها فقد سعت المملكة ومنذ نشأتها إلى حشد وتكريس قدراتها ومواردها لخدمة قضايا الأمة الإسلامية ، وتحقيق أسباب ترابطها وتضامنها إستناداً إلى حقيقة الانتماء إلى عقيدة واحدة ، وأن التكافل والتضامن الإسلامي هو السبيل لاستعادة المسلمين لمكانتهم وعزتهم ، فكان ذلك منهجا زرعه الملك المؤسس - رحمه الله - وسار عليه أبناؤه من بعده ، وتظهر مقتضيات الأخوة ومعطيات التضامن وقت الأزمات ، وزمن الحروب والكوارث فيضرب ولاة أمرنا مثلا متميزا في النجدة والنصرة والإغاثة والتعاون على تخفيف المصاب ، والمشاركة الفاعلة في كل ما يحقق معاني الأخوة الإيمانية في صور من العطاء والبذل والتضحية ، ما يحال إليه ما يتحقق من خير وفضل .
وتستمر المواقف من عظماء الرجال، لأن تاريخ العظماء لا تصنعه الكلمات وإنما تصنعه الأفعال والمواقف الكبار، وعظمة المواقف من عظمة أصحابها وعظماء القادة هم الذين يصنعون التاريخ بقراراتهم ومواقفهم الشجاعة ويتصدون لأقدارهم بثبات وإقدام .
وها هو الملك الهمام والبطل الضرغام ، والحكيم الموفق المسدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يسطر موقفاً عظيماً يسجله له التأريخ بأحرف من نور ، وفي سجلات النخوة والشهامة والمروءة والشيم ذلكم الموقف العظيم المتمثل في قراره الحاسم الحازم ببدء عاصفة الحزم ، ليعكس حنكة قائد عظيم راشد ، ومكانة دولة عريقة ، وكرم شعب أبي أصيل ، وعقيدة إيمانية صافية راسخة ،يترسمها هذا القائد المبارك، ووعي كامل بكل ما يحاك لأمتنا الإسلامية والعربية من مكائد ومؤامرات ودسائس تفرق وحدتها وتشق صفها.
إن القرار التأريخي الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين -أيده الله -
كان واجباً فرضته المبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية ، وحقاً مشروعاً أثبتته القوانين والمواثيق والأعراف الدولية والعالمية ، فإن ما تعرض له اليمن السني الشقيق خلال السنتين الماضيتين لم يكن نزاعاً داخلياً ولا تحارباً بين فئات وطنية يمنية، وإنما كان اجتياحاً واحتلالاً صفوياً مجوسياً رافضياً، تحت غطاء حوثي خبيث استبطن النفاق ، وهذا الاحتلال الصفوي لم يهدد أمن اليمن الشقيق واستقراره والشرعية فيه فحسب ، وإنما هدد جميع دول الجوار، بل وحمل في طياته تهديداً وخطراً كبيراً على العروبة والإسلام .
ولقد ساهم في ذلك ما تمر به الأمة من تفرق وضعف، فواقع أمة الإسلام والعرب واقع محزن، والمتغيرات التي تمر بنا هي مهددات لوحدة أوطان المسلمين، ، والأخطر في هذه المرحلة تلكم الانقسامات والفرقة التي تحصل بين الأشقاء، وإن من قواعد الدين العظام، وأصوله المؤكدة ، التي دلت عليها الأدلة، وأكدّتْ عليها المقاصد: وجوب ائتلاف أهل الإسلام، والنهي عن تفرقهم وتحزّبهم، والسعي إلى تحقيق هذا الأصل، والعمل على تيسير السبل الموصلة إليه ما أمكن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: « وهذا الأصل العظيم: وهو الاعتصام بحبل الله جميعاً، وأن لا نتفرّق؛ هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمّه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي صلى الله عليه وسلم، في مواطن عامة وخاصة «
وأخطر مظاهر وصور هذا التفرق المقيت، والتحزّب البغيض: التفرّق العقدي، والاختلاف المذهبي المذموم، كما نجده بوضوح عند أهل الأهواء والبدع، والفرق الضالة عن منهج أهل السنة والجماعة .
وفي خضم هذه النزاعات والتحولات تبرز الأهمية البالغة للقرار الحكيم الحازم الحاسم الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وإخوانه الذين شاركوه القرار من قادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وقادة الأمة العربية والإسلامية ، بتوجيه ضربات عسكرية لمعاقل الحوثيين ومن يساندونهم من الصفويين ، فقد أنقذوا اليمن من احتلال صفوي بغيض، وجنبوه ويلات حروب أهلية طاحنة ، وسيسجل لهم التاريخ أنهم بدؤوا بإذن الله وتوفيقه انتفاضة الأمة لنبذ خلافاتها وتوحيد صفوفها لتحقيق الأمن والاستقرار لمجتمعاتها،انتفاضة تجمع الكلمة، وتؤلف القلوب وتوحد الصف، وتقطع الطريق على المتربصين والمفسدين ، وتوجيه أقوى الضربات للبغاة والمفسدين والمخربين .
إن حق الدفاع الشرعي عن النفس وواجب النصرة للمظلوم ، ودفع والعدوان على الأوطان أجمع عليه المسلمون ونصت عليه جميع الأعراف والقوانين والمواثيق الدولية ، فقد أكدت على حق الدول والشعوب في الدفاع عن النفس وصد العدوان.
وإن المملكة العربية السعودية وشقيقاتها من دول الخليج والدول العربية والإسلامية ، لم تجنح إلى القوة المسلحة إلا بعد أن استنفدت كل السبل السلمية لردع المعتدين وثنيهم عن مواصلة عدوانهم وخروجهم المفضوح على الشرعية ، وبعد أن أصبح واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار أن الهدف التوسعي الأجندات الخفية ، والأطماع الطائفية هي المحرك والداعم للحوثيين بالسلاح والعتاد والخبراء بما يشكل اجتياحاً واحتلالاً عسكرياً وسياسياً وفكرياً لليمن الشقيق، وتهديداً حقيقياً لأمن واستقرار اليمن ودول الجزيرة العربية، بل ودول العالم الإسلامي، وبعد أن تلقت طلب التدخل والإغاثة من القيادة الشرعية لليمن في إطار المبادئ الشرعية والمواثيق الدولية وحقوق الجوار.
وعند ذلك جاء القرار الحكيم الحازم وتجلت عظمة القائد ، وبرز وعيه العميق ، وصدق إيمانه الراسخ بضرورة الحسم والحزم فكانت العاصفة التي استلهم خادم الحرمين الشريفين اسمها من مقولة لوالده المؤسِّس الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه-قال فيها: «الحزم أبو العزم أبو الظفرات والترك أبو الفرك أبو الحسرات»
وأصدر خادم الحرمين الشريفين الملك المفدى سلمان بن عبد العزيز ، قراره «الحازم» (بتنفيذ العملية) لإعادة الأمور إلى نصابها وإرجاع الحق لأهله وحماية الحدود السعودية.
ولقد برهن خادم الحرمين الشريفين -أيده الله - بحق عن عمق العلاقة التاريخية مع اليمن الشقيق القائمة على «وحدة الدين والعقيدة ونصرة الحق «.
وتتجلى حكمتة وحنكتة وبعد نظره المتمثل في قطع الطريق علي أرباب الفتن وأهل السوء والفساد والشر من أعداء الأمة في الداخل والخارج، فالحوثيون يقومون
بحرب وكالة عمن يتفق معهم في العقيدة والفكر والمنهج ذلك أن العصابة الحوثية المجوسية الرافضية انشقت في الأصل عن المذهب الزيدي وهي تنتسب إلى فرقة الجارودية الإثنى عشرية و هي حركة تمرد باطنية خبيثة تأسست في صعدة شمال اليمن، وتسعى لتصدير هذه الثورة وطمس هوية اليمن الشقيق، وإذابة السنة فيها ولكن تأبى حكمة الله أن يتغلب الباطل ودعاته ،وأن المسؤولية العظيمة التي نتحملها في هذه الأيام أن نحرص على الألفة والجماعة، واللحمة ووحدة الصف والكلمة، فنحن أمام ظرف استثنائي، وتحول قد تندس فيه أصابع الفتنة، وتحاول اختراق الصف بالشائعات والأراجيف، والتشكيك في القدرات أو في هذا العمل المبارك ،فمن واجبنا أن نتحمل المسؤولية كاملة أمام الله ثم أمام ولاة أمرنا، وأن نقف معهم صفاً متراصاً، وأن نقطع الطريق على كل مشكك أو مزايد أو مريد للشر، استجابة لتوجيه الله تعالى في قوله: «وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ? وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى? أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ» فالرد إلى ولاة الأمر من الحكام والعلماء في أوقات الأزمات والفتن من أهم ما يحصن الجبهة الداخلية، ويقي من الفرقة والانقسام، قال الشيخ السعدي - رحمه الله -»هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق. وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المص الح وضدها. فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك. وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة (1) أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته، لم يذيعوه»
ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم وهي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا في الفتن، حيث قال لحذيفة رضي الله عنه حينما سأله فما تأمرني إن أدركني ذلك - أي زمن الفتن- قال : « تلزم جماعة المسلمين وإمامهم».
وإن هذه الوقفة المباركة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - أيده الله - ومن معه ممن لبى نداء النصرة هي جهاد مشروع، وعمل صالح وحماية لعقيدة التوحيد، وأمن البلاد الإسلامية ، والدفاع عن الدين والأرض والعرض وتلبية النداء هو ما أمرنا الله به سبحانه : «وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ» ، وقوله سبحانه : «فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ» ، وقوله سبحانه : « فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»، ولهذا اتفق علماء المسلمين في هذه البلاد وغيرها على مباركة هذه الخطوة، وشكرها كل صاحب عقيدة ومبدأ، بل أن الاتفاق عليها من منظومة الدول الإسلامية سبب لبركتها ونجاحها بإذن الله، ومن هنا ومن باب تماسك الجبهة الداخلية فإننا مسؤولون أمام الله عن كل ما يحقق التماسك والأمن والتوحد، وأن نحذر من كل شائعة يروجها من يروم خلخلة أمن بلادنا، وأن نعلم أن أعداءنا لن يألوا جهداً في بث الشائعات، وترويج الأكاذيب، ونشر الأراجيف ولا سيما من خلال ما تيسر من وسائل تقنية، وشبكات تواصل، ومجالس عامة أو خاصة، فمسؤوليتنا أن يكون كل منا رجل أمن، وأن يتجنب كل ما يسبب الفرقة، أو يستغله المتربصون، ولاسيما أننا في عصر التقانة، والمعلومة السريعة التي يطلقها من يطلقها فتبلغ الآفاق، فليكن ما يبلغ الآفاق هو ما يحقق الاجتماع ووحدة الكلمة والصف، ويعلق الناس بالله
وأسأل الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يرد عنا كيد الكائدين، وإرهاب المعتدين، وضلال الحزبيين، وأن يحفظ لنا مليكنا وقائدنا، ويديم عليه نعمه، ويسبغ عليه فضله، ويلبسه لباس الصحة والعافية،كما أسأله أن يجمع كلمة المسلمين ويوحد صفهم ويعيذهم من الأهواء إنه سميع مجيب.