د. عبدالواحد الحميد
بصرف النظر عن «عاصفة الحزم » والظروف التي أدت إلى وقوعها، فإن التناول الإعلامي لها من قِبَل بعض الكُتَّاب والمتحدثين العرب يتجاوز الحرب نفسها ليعود مجدداً إلى ترديد نغمة بائسة تعودنا عليها وهي «تعييرنا» بالبداوة والتخلف والرجعية.
هؤلاء الأخوة العرب الذين يعيروننا بالبداوة يعيشون في عالم من الوهم الذي صنعوه لأنفسهم بأنفسهم واستطابوا أن يكرسوا من خلاله صورة نمطية يودون أن تكون لنا مع معرفتهم أن البلدان الخليجية أصبحت اليوم في مقدمة الدول العربية ليس فقط من حيث التنمية الاقتصادية وإنما أيضا بمقاييس التنمية البشرية.
فدول مجلس التعاون الخليجي، وحدها من بين الدول العربية، تأتي في المقدمة في مؤشر التنمية البشرية الذي يصدره البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP ، وهو المقياس الدولي المتعارف عليه الذي يتجاوز مقاييس النمو الاقتصادي المادي ليشمل مستويات التنمية التي تحققها بلدان العالم في مجال التعليم والصحة وغيرهما من المجالات التي تقيس الرفاه البشري بمعناه الواسع.
لقد أصبحت العواصم والمدن الخليجية هي المراكز الفعلية للاتصال مع العالم في المنطقة العربية، ونحن نشاهد هؤلاء الأخوة العرب الذين يعيروننا بالبداوة وهم يَبْدون مندهشين ومرتبكين حين يرون مستوى التجهيزات في مستشفياتنا وجامعاتنا وحتى في أسواقنا ومعارضنا وفي استخداماتنا اليومية للتقنية الحديثة. نشاهدهم مندهشين حين يرون كيف تحولت الحياة اليومية للمواطن العادي عندنا إلى حياة تقوم على تطويع التقنية في التعامل مع أجهزة الحكومة والشركات والبنوك ومختلف الجهات التي يتعامل معها المواطن والمقيم.
لقد أصبحت المعارض العربية الكبرى للكتب هي تلك التي تقام في الرياض والشارقة وغيرهما من العواصم والمدن الخليجية، وصارت الصحف والفضائيات الخليجية ومواقع التواصل الاجتماعي التي يحتلها خليجيون على رأس قائمة مراكز التأثير الإعلامي والثقافي العربي. أما طلابنا فهم يتلقون التعليم في أفضل جامعات العالم في الغرب والشرق، قد بلغ عددهم مئات الألوف، فضلاً عن طلابنا الذين يدرسون في جامعاتنا الخليجية.
أخيراً، هؤلاء الذين يعيروننا بالبداوة لم ينحدروا من أصول إسكندنافية أو أنجلو سكسونية. نحن وهم في قارب واحد، ونحن نعرف حجم التخلف المأساوي المؤسف عندهم في الأحياء الداخلية لعواصمهم الكبرى فضلاً عما هو موجود في أريافهم، ونتمنى أن يتمكنوا من كسر حلقات التخلف التي يدورون فيها لأنهم أخوتنا بالرغم من كل شيء. أما البداوة، فنحن لن نعتذر عنها لكنها ليست البداوة التي يقصدونها حين يتحدثون بأسلوب الهمز واللمز الذي لا نجد له تفسيراً إلا ما درسناه في علم النفس عن مركبات النقص التي تدفع البعض إلى التعالي الوهمي. كما أننا لا ندعي الكمال بل نمارس النقد لأداء أجهزتنا الحكومية حين نلمس القصور مثلما نمارس النقد لبعض المظاهر الاجتماعية التي نريد أن نسابق الزمن في القضاء عليها في رحلتنا عبر دروب التنمية. نحن نفعل ذلك ليل نهار من خلال ما نكتبه في صحفنا وفي قنواتنا التلفزيونية ومواقع الاتصال الاجتماعي، لكننا نفعل ذلك بنية طيبة وبوطنية خالصة وليس بنبرة الشماتة التي تقطر من أحاديث بعض إخواننا الذين يعيروننا بالبداوة.