د.موسى بن عيسى العويس
في كل دول العالم، والمتحضر بشكل خاص يثق، أو يفترض أن يثق في مؤسسات تعليمه وتربية نشأه، لأن أهداف القائمين عليها وغاياتهم هي تربية الأجيال والنشء على القيم الفاضلة، والسواد من تلك الفئات يقفون عند تلك القيم، وليس معنى ذلك أن تسلم سلوكياتهم من الشوائب والقصور، لكن التساهل وإطلاق الألفاظ على عواهنها غير مقبول، لا سيما في مجتمع مسلم يعتز بمثالية وخصوصية لا يدانيها أو يقرب منها أي مجتمع.. هذا من ناحية.
من زاوية أخرى، الكثير يعرف من المتابعين أن بعض الجامعات اتخذت إجراءات صارمة إزاء بعض الكراسي التي لم تحقق أهدافها، فقد أوقفت إحدى الجامعات بالرياض ما يزيد على (20) كرسياً من كراسي البحث العلمي، ومعنى ذلك أن المسار يحظى بالمتابعة والرقابة، ومتى تبين القصور في بعض الممارسات فإن الجهة الأكاديمية المخولة تتخذ إجراءاتها.
في كل الدول، وفي كل المجالات، وفي جميع المؤسسات لا يوجد عمل، أو مشروع، أو برنامج إلا ويعتور مسيرة تطبيقه وتنفيذه شيئاً من القصور، أو المخالفات والتجاوزات، أو التلاعب في التشغيل وفي الإجراءات، وربما أعطى نتائج مضللة. صحيح أن الجانب المحاسبي ضعيف وضعيف جداً في هذه المؤسسات لكن هذا لا يعني أن يتخذ الرأي العام، أو المجتمع، أو صانع القرار حكماً، أو انطباعاً يعيق مسيرة مثل هذه البرامج التي هي في الأصل إحدى مقومات حركة التنمية في المجتمع والمواطن، وإحدى المسارات الاجتماعية والوطنية التي يساهم فيها رجل الأعمال، ومؤسسات القطاع الخاص، وكل تلك المساهمات من شأنها أن تخلق جواً من الإبداع والابتكار والمنافسة والخدمة العامة للمجتمع التي لا يمكن أن تتحقق إلا بمثل تلك المبادرات الطموحة.
قد يكون من ظواهر الخلل في مثل هذه الكراسي أنها اتجهت في معظمها اتجاها واحداً ألا وهو خدمات العلوم الإنسانية واللسانية، وهذه العلوم على الرغم من أهميتها لأي مجتمع إلا أنها حظيت، وعلى امتداد التاريخ، وبخاصة في الشرق الأوسط ولدينا بالذات باهتمام كبير، وأي نتيجة تظهر فيها تلك الكراسي ربما لا نجد لها ذلك الرواج أو التفاعل الكبير من فئات المجتمع بكل أطيافه.
بلدنا اليوم بأمس الحاجة إلى إنشاء المزيد من (الكراسي العلمية) التي تخدم العلوم التطبيقية الحديثة، في الطب، وفي الهندسة، وفي الكيمياء، وفي التقنية، وغيرها من البحوث التي تقود إلى اكتشافات عصرية، يستفيد منها المجتمع في الحياة المعاصرة، ومما لاشك فيه أن هذه العلوم تحتاج في إجراءاتها وتطبيقاتها إلى جهد كبير وبيئات حرة تتوافر فيها جميع المقومات لإنجاحها، وهو ما قد لا يتوافر عندنا.
في الأخير، فإن على المؤسسات التعليمية، أو تلك التي تعنى بالبحوث التطبيقية مطالبة بأن تستثمر ذلك الإقبال من رجال الأعمال الأوفياء من أبناء هذه البلاد، وتلك المؤسسات التي أسهمت من باب المسؤولية الاجتماعية بعطائها، لكي تصبح تلك العلوم التي أشرت إليها هي مدار الأبحاث المستقبلية، ويمكن إلى جانب ذلك أن تبنى بعض الجهات كراسي علمية للبحث عن أسباب الفساد والثغرات في لوائح وأنظمة كراسي البحث العلمي، وأن تضع آليات دقيقة للتقييم والقياس.