على مدى السنوات الثلاثين الماضية ظل الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح يتصرف ويناور في مواقفه وسياساته وعلاقاته، وكأن اليمن عضو خارج الجسم العربي، فهو مع إيران الفارسية -وإن أظهر ما لا يبطن- يستقوي بها لعمل ما يعرّض الجيران للخطر، وهو مع صدام حسين بالتأييد المطلق لاحتلال الكويت، وهو مع القاعدة بإيجاد ملاذ آمن ونشاط إرهابي تمارسه لتخويف دول المنطقة وإشغالها بهذا العنصر الموبوء في منطقتنا، ثم هو مع الحوثي خصم لدود كما كان يدعي الرئيس المخلوع، فإذا بنا نكتشف أخيراً أنهما عميلان لإيران، وحليفان معاً، يأتمران بأمرها، وينسقان معها في كل ما من شأنه التأثير على أمن دول المنطقة واستقرارها، وتحديداً المملكة العربية السعودية.
***
يحدث هذا ويُعلن الآن على الملأ دون حياء أو تأنيب من ضمير، بينما يتساءل العقلاء في اليمن وخارج اليمن لِمَ يقوم علي صالح بإظهار هذا العداء وممارسته على نحو فاضح مع أشقاء ساندوه، ودعموه، ووقفوا إلى جانبه في السلم والحرب، وآزروه مالياً، وتجنبوا أي عمل يضر باليمن الشقيق، أو يقوّض أمنه، برغم كل ما لحقهم من إساءات متكررة لا يمكن لدولة أن تتحملها، أو تسكت عنها، بينما تواصل دول مجلس التعاون رغم كل هذه الاساءات ونكران الجميل الدعم والمساندة والتعاطف مع كل مطلب يحقق الرخاء لأشقائنا في اليمن، غير أن عمالته لإيران يبدو أنها لم تترك أمامه من خيار إلا الارتماء في أحضانها، وإعطاء ظهره لمن كان سند اليمن وداعمه الأكبر.
***
ويتساءل العقلاء أنفسهم أيضاً، ماذا قدمت إيران لليمن حتى يرتمي علي عبدالله صالح ذليلاً في أحضانها، ويسلم بلاده بالمشاركة مع الحوثيين رهينة إلى أعداء هذه الأمة، ممن تلطخت أيديهم بدماء الأحرار والشرفاء في العراق وسوريا ولبنان والبحرين، وحيثما كانت هناك فرصة لهم لإيذاء كل من هو عربي أصيل، فيما المملكة ودول الخليج ظلت على مدى سنوات طويلة تدعم اليمن دون أن تمن عليه بذلك، ومن دون أن تكون لها أي أطماع أو مصالح، إذ ليس لدعمها - كما هو واضح - أي أهداف سوى أن ترى الشعب اليمني الشقيق سعيداً، ويتمتع بحياة حرة كريمة كأشقائه في المملكة ودول الخليج، ولا يماثل هذه المواقف الكريمة من المملكة ودول الخليج نحو اليمن إلا الدعم الإيراني -ولكن في خط معاكس- يتمثل في إنشاء أحزاب مخربة، ودعمها بالسلاح والمال، لتكون خنجراً في خاصرة اليمن الحبيب، تقوّض أمنه، وتدفع بشعبه إلى التشيُّع، وتضعه في هذا الموقف الصعب أمام (عاصفة الحزم).
***
وفي ظل أجواء خطيرة كهذه بدت وكأنها تنذر بما هو أخطر، انطلقت (عاصفة الحزم)، دافعها في ذلك حماية اليمن من التمزق، والفوضى، والحرب الأهلية، ومحفِّزها في هذه الخطوة الجريئة حماية الشرعية، ومنع العصابات وتجار الحروب، عملاء إيران، من أن يحوِّلوا اليمن إلى مصدر إزعاج لجيرانهم، بتَبنِّيهم بالتعاون مع إيران إثارة الفتن والخلافات، فضلاً عن تعريض وحدة اليمن واستقلاله وأمنه للخطر، دون أي تفكير أو مراجعة لخطورة مثل هذا التخطيط المشبوه على مصالح مواطني دول المنطقة.
***
فالرئيس المخلوع، ومعه عصابات الحوثيين، تآمروا على اليمن، ومن بعدُ على دول منطقة الخليج، وتصرفوا على نحو سَرَّعَ في انطلاقة (عاصفة الحزم)، إذ إن المساعي التي سبقتها لإجراء حوار بين الفرقاء اليمنيين أجهضها عبدالملك الحوثي بمساعدة علي عبدالله صالح، ومنعا معاً استكمال ما تم الاتفاق عليه في الرياض، بل إنهما اعتبرا ذلك وكأنه لم يكن، فكان انقلابهم على الشرعية، ثم الاستيلاء على العاصمة والمدن الأخرى، وكذلك السطو على المال العام، ووضع اليد على معدات وأسلحة الجيش، مع نقل الرئيس الشرعي وأعضاء الحكومة إلى السجون، أو وضعهم في الإقامة الجبرية، وهو ما كان إيذاناً بانهيار الدولة، وتركها ساحة مستباحة لإيران وعملائها، وبالتالي لم يعد هناك أمام التحالف من وقت مستقطع لمزيد من الانتظار.
***
الآن نحن أمام مستقبل موعود بما هو أفضل لليمن الشقيق، يقوم على بناء اليمن الجديد، بالاعتماد على التنظيم المؤسساتي، تسيره القيادات اليمنية المخلصة التي تراعي مصالح اليمن لا مصالح إيران، أي اليمن الجديد الذي سيتخلص من الأحزاب المجندة لصالح الخارج، ومن ثم إقصاء أي مسؤول يتبين أنه يأتمر بأمر الدولة الفارسية. هذه هي ضمانات وأهداف (عاصفة الصحراء) التي انطلقت لتعيد لليمن مكانته باعتباره دولةً عربيةً إسلاميةً حرة، يتعاون مع أشقائه، ويطور علاقاته بكل الدول المحبة للسلام، دون أي ضغوط خارجية، فاليمن بعد الآن لن يكون للبيع، ولن يكون هناك من يملك القدرة على اختطافه، فقد قال التحالف كلمته، ونفذها جواً وبحراً، وإن احتاج الأمر فسيكون للقوات البرية دور في المستقبل، بما لا قدرة للعملاء على المقاومة، وبالتالي ليس أمامهم من الآن إلا الاستسلام.