لا شيء يماثل الآن في أهميته أو في الكتابة عنه، أو يضاهي من حيث التعاطي والمتابعة هذا الاهتمام الذي تحظى به (عاصفة الحزم)، فهي حملة عسكرية تأديبية للضالين من الشعب اليمني، وهي ثانياً تَحرُّك مدروس وفطن للحفاظ على وحدة اليمن واستقراره وأمنه، ثم هي ثالثاً إغاثة للشعب اليمني الجريح من أن يُذل على أيدي مجرمين وقتلة، ولا تنتهي أهدافها عند ذلك، فحدود المملكة ستكون معرضة لعدوانهم لو لم يبدأ التحالف بهذه الضربات الاستباقية، خاصة مع تكرار عمليات التسلل التي يقوم بها الحوثيون لإحداث فوضى وتعريض أمن المدنيين السعوديين للخطر.
***
هي هكذا الحرب، تجبرك عليها أحياناً التحرشات على حدودك، تدفعك لها مسؤوليتك للحفاظ على استقرار بلادك وأمن شعبك، ويكرهك عليها التعامل الوقح مع الآخر برغم نصائحك البريئة لتجنبها، وقد حاولت المملكة درء الخطر بالتفاهم والحوار من دون أن يلقى هذا التوجه استجابة من الآخر، لهذا ولدت (عاصفة الحزم) من رحم هذا الجو الموبوء والنتن الذي لا يعطي قيمة للجوار، أو للحوار المتوازن، أو لصلة الرحم، أو للانتماء العربي والإسلامي.
***
هي هكذا الحروب تبدأ بمؤشرات وإشارات وعلامات للتذكير بخطورة ما سيحدث لاحقاً، فتمر بعد ذلك بعمليات عسكرية محدودة، ثم تتوسع وتنتشر، ويصبح إيقافها بعد ذلك غير وارد، ما لم تحقق أهدافها، والعاقل من يتجنب إشعالها، ومن يستوعب تداعيات تصرفاته العدوانية مبكراً، العاقل من يهرب وهو في حالة سلم من أن يهرب من ميدان المعركة ذليلاً في حالة حرب، وهو ما غاب عن مليشيا الحوثيين وعلي عبد الله صالح وأتباعه، حيث بالغوا كثيراً في إظهار عدائهم للمملكة، وواصلوا مخططاتهم للتآمر عليها، معتمدين على أن حلمها، وسعة صدرها، وحرصها بالبحث عن أسباب إلا الحرب لإيقاف عدوانهم يشجعهم على التمادي في الاستفزاز، وإثارة ما يؤجج ويصعد من الخلافات، وصولاً لأهداف يرسمها لهم قرار أو توجيه يصدر في طهران.
***
فقد تمادوا كثيراً، استولوا على السلطة في اليمن، واحتلوا العاصمة والمدن الأخرى، وواصلوا زحفهم إلى عدن ومناطق الجنوب، للاقتراب من حدود المملكة من كل اتجاه، وتعريض سلامتها للخطر، بعد أن أصبح الجيش اليمني بتصرفهم، واليمن بلا رئيس أو حكومة يمكن التحاور والتفاهم معها، بينما يوقد الإيرانيون بدسائسهم المعروفة، وأطماعهم التي لا تخفى على ذي عقل سليم، فتيل المعركة مع المملكة من خلال الحوثيين وأتباع الرئيس المخلوع بالوكالة عنهم، وافتعال كل ما يساعد على ذلك من تصرفات.
***
هنا نفد صبر المملكة، تخلى الملك سلمان عن حلمه، شعر لحظتها بأنه لم يبق أمامه من فرصة للحوار معهم، وأن تصعيدهم لمعركة عسكرية قادمة بدأت وتيرتها تعلو على أي صراخ آخر في وسائل إعلامهم، ما يعني أن خيار الحرب بدأ يميل بقوة وتسارع على الخيارات الأخرى المتاحة أمام الملك سلمان، وهنا قبل التحدي بشجاعته المعروفة، وفاجأهم بما لم يتوقعوه، قوة جوية ضاربة، تسيطر على أجواء اليمن، وبحرية تغلق أي إمدادات لعملاء إيران، وحشداً عالمياً يؤيد الموقف السعودي، ويعرض المساعدة والمشاركة إلى جانب التحالف.
***
مضى أسبوعان على التدخل الجراحي في اليمن من قبل قوات التحالف، وردود فعل مختطفي اليمن اقتصرت حتى الآن على ضَرْب المدنيين اليمنيين، وهدْم المنشآت اليمنية، والاحتماء بالكهوف والجبال وغيرها لتجنُّب ضربات التحالف الجوية، وغياب علي عبد الله وعبد الملك الحوثي عن ميدان المعركة، تاركين أتونها للسذج المغرر بهم يواجهون مصيرهم في جحيم المعركة، في مقابل ذلك نجحت القبائل والشعب اليمني المخلص لبلاده في تنظيم صفوفهم، واستفادوا من الأسلحة التي زودهم بها تحالف (عاصفة الحزم) للدفاع عن أنفسهم، ما يعني أننا أمام عمل عسكري منظم تطلبته الضرورة، وجاء استجابة لطلب القيادة اليمنية الشرعية، لينهي وإلى غير رجعة العمل الإرهابي الذي تقوم به عصابة من العملاء الحوثيين والرئيس المخلوع وأتباعه بتوجيه من الدولة الفارسية ضد شعبي المملكة واليمن.
***
شكراً سلمان، فقد بدأت عهدك الميمون بهذا القرار الحكيم، فالحزم جاء مصحوباً بالعدل، موازياً للحكمة، مظلته الانتصار للحق، وهو ما عرفناه عنك، وتعلَّمه شعبك وقواتك المسلحة منك، وهو قرار يتناغم مع مصلحة المملكة وتطلعات أمتك، وصولاً لتحقيق السلام والأمن والاستقرار لدول منطقتنا.