د. عمر بن عبدالعزيز المحمود
لم يكن أمام مملكتنا الغالية ودول مجلس التعاون إلا الحل العسكري كخيار أخير، بعد أن قام الحوثيون بنقض جميع الاتفاقيات التي عُقدت معهم لحفظ أمن اليمن واستقراره ووحدته، ورفضوا فكرة الحوار التي تمت دعوتهم إليها تحت رعاية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فالعاصفة الحازمة لم تأتِ من فراغ، ولا تدخلاً في شؤون الغير، كما لم تكن تطاولاً على شؤون دولة مجاورة، بل جاءت بغطاء شرعي عربي ودولي، حيث جاءت بنداء استغاثة من الحكومة الشرعية، شاركت فيها عشر دول خليجية وعربية، وباركتها (واشنطن) بالدعم اللوجستي، والسبب أنَّ الانقلابات العسكرية على الحكومات الشرعية أمر بغيض، ولم يعد ذلك مستساغاً في ظلِّ النظام الدولي الحالي، واستطاعت بفضل الله - عز وجل - إنقاذ حكومة عبد ربه هادي من الانهيار.
لقد رهنت فئة من اليمنيين إرادتها للخارج، وأغرتها قوتها بأنها تستطيع أن تفرض ما تريد بالقوة دون مراعاة حق الآخرين في الوطن، ورغم محاولات الأشقاء إخراج هذه الفئة من سجن الارتهان والخضوع لأصحاب الأطماع، إلا أنها تمادت في تجاهل شركائها في الوطن وارتكبت من الأعمال ما يشكل خطرا يهدد أمن المنطقة كلها، وأمام هذا الواقع لم يعد أمام المملكة والدول العربية المشاركة في (عاصفة الحزم) إلا أن تقف بحزم في وجه العبث بأمن اليمن وتعريض أمن جيرانه للخطر.
إنَّ إدارة عملية عاصفة الحسم والتحضير لها عسكريا ودبلوماسيا والإقدام على تنفيذها بكفاءة وفاعلية عاليتين، دون الاستعانة بأية قوة إقليمية أو دولية غير التنسيق الدبلوماسي والسياسي والعسكري الوثيق مع خمس من دول مجلس التعاون، لأكبر دليل على ولادة قوة إقليمية قادرة على حماية ليس فقط أمن المملكة، بل وأيضاً عمقها الإقليمي والإِنساني في منطقة الخليج العربي، بل ومنطقة الجزيرة العربية، ومن هنا فإنَّ إعلان دول شقيقة أو صديقة الانضمام لعملية عاصفة الحزم لا يخرج عن كونه مساندة عسكرية ودعما سياسيا، دونما يعني بالضرورة المشاركة في العمليات العسكرية، أو حتى التنسيق معها للبدء في هذه العمليات.
ليس غريباً أبداً على شعبنا وأبنائنا هذا الولاء للوطن وهذه الوحدة الشعبية التي تكررت مراراً كلما ألم بالوطن مثل هذه الظروف، لكني لم أتصوره يحدث بهذه السرعة وهذه العفوية، ليس من تفسير سوى أنه الوطن وحب الوطن، على أن طائراتنا لم تذهب لنزهة وطنية في اليمن، بل لنصرة الدين والشرعية ونصرة إخوان لنا في الدين وحماية لجوار استراتيجي، هذا التوحد الشعبي خلف الجيش الذي يحارب على جبهتنا الخارجية كان تقوية لجبهتنا الداخلية للحمتنا الوطنية لتوحد قلوبنا ومشاعرنا وخوفنا على وطن مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس لأجل عزته ورفعته ضد كل ما يتهدده من شرور وأخطار.
لم يقتصر دور المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - على الاجتماعات والتنديد أو التأييد والشجب والاستنكار، ولم تنتظر حتى ينفجر برميل البارود فينا ومن حولنا، ولم تدع طريقًا إلا وسلكته كي تثني ميليشيا الحوثي عن أفعالها المشينة التي أضرَّت باليمن وبنا معها على حدّ سواء، ولكن بلغ السيل الزبى، وينبغي أن يكون لنا دور ووقفة واضحة وصريحة، وفقًا للنظم والمواثيق والقوانين الدولية، كي لا يتكرر على أرض اليمن ودول الجوار ذات السيناريو الماثل في كل من سوريا والعراق وليبيا.
كان لزامًا على مملكتنا الحبيبة وشقيقاتها من دول الخليج العربي أن تتخذ قرارًا أمام الغطرسة الحوثية، وإيقاف الانقلاب على الشرعية، خاصة أنَّ الحوثيين لم يستجيبوا لكل المبادرات، سواءً مبادرة الأمم المتحدة، أو المبادرة الخليجية التي يجمع كل الفرقاء على سلامة أهدافها، وأنها تنشد الصالح اليمني واستقرار اليمن بشطريه، فعملية (الحزم) التي قامت بها قوات دول مجلس التعاون وشاركت فيها بعض الجيوش العربية أملاها التعنت والإصرار الحوثي الذي كان يهدف إلى تفتيت اليمن وتغيير تبعيّته، وصادر بمساعدة بعض القوى كل مقدرات الجيش اليمني، واستولى على العاصمة، وحاصر الرئيس الشرعي لليمن، وجعله هو ورئيس الوزراء تحت الإقامة الجبرية، حتى تمادى باستهداف قصر الرئاسة في عدن بالطائرات، مستمدًا قوته من بعض القوى المعادية لليمن ولجيرانه.
لقد عبث هؤلاء الحوثيون بكل مقدّرات اليمن، وبأمنه وبسلامة شعبه، ورفضوا كل مبادرة ذات معنى، حتى تلك التي وقعّوا عليها وأعلنوا استعدادهم لقبولها، وزاد غرورهم صبر دول الجوار التي لم تترك للحلول السلمية بابًا إلا وفتحته، ولا وسيلة إلا اتخذتها، ولا طريقًا إلا سلكته، لكن يأبى الجهل والسفه إلا أن يسود في عقول هؤلاء الذين تعودوا الإساءة إلى كل يدٍ تحسن إليهم، وإلى كل عقل يحاول محاورتهم، وقديمًا قالت العرب: (اتق غضب الحليم)، فإنَّ لم يُحكَّم صوت العقل، ولم ترتدع الفئة الباغية الضالة، فإنَّ الكي لها دواء، والحرب عليها جواب.
(عاصفة الحزم) رسالة ملكٍ إلى العالم، ورسالة سلامٍ إلى الإقليم، تقول: إننا من موقع القوة قادرون على حماية أوطاننا، والدفاع عن ترابنا الوطني، وصيانة مكتسباتنا، وضمان مصالحنا الحيوية، وهي أيضاً رسالة للدنيا، فالسعودية التي لم تسعَ للحرب، بل عملت على تجنبها، مع أنها قادرة عليها، ومهيأة بإذن الله لكسبها، ولتحقيق غاياتها النبيلة من ورائها، لصالح استقرار اليمن الشقيق ورفاهية شعبه.
(عاصفة الحزم) التي استطاع قائدها سلمان بن عبد العزيز بناء تحالف إقليمي مدعوم دولياً لخوضها هي أيضاً رسالةٌ إلى كل من يهمه الأمر في هذا الإقليم، أنَّ النظام الإقليمي العربي قائم وقادر - بإذن الله - على استعادة زمام المبادرة في شأن مستقبل المنطقة وشعوبها، وهي رسالة إلى القمة العربية التي تلتئم في شرم الشيخ، بضرورة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وبأهمية صياغة رؤية استراتيجية عربية لمستقبل الإقليم، تصون وحدة التراب الإقليمي لدوله العربية، وتدافع عن المصالح الحيوية للأمة العربية بفاعلية واقتدار.
وأخيراً.. رجاء لكل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة المباركة، التي حباها الله بالحرمين الشريفين، ألا يُصدِّقوا الشائعات المغرضة، وألا يروِّجوا لها، أو نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة الصادرة من قِبَل الحاقدين الحاسدين، وأن يدعوا لجنودنا البواسل بالتمكين ونصرة الحق والتوفيق في أداء مهامهم، والوقوف في وجوه المعتدين الغاشمين، وأن يدعوا لولي أمرنا الملك سلمان بن عبد العزيز بالسداد في الرأي، والتوفيق لإطفاء نار الفتنة التي أشعلها الصفويون، ولنصرة الحق في اليمن الشقيق.