ظن الحوثيون أن الحرب نزهة، وأن الخروج منها أمر ممكن متى أرادوا ودون إلحاق الهزيمة بهم، باعتقادهم أن إيران ومن لف لفها قادرون على إنقاذهم من النفق المظلم، وأن احتلال صنعاء ومدن أخرى، وإقصاء الرئيس الشرعي، والاستيلاء على أسلحة الجيش، وأموال الدولة، يجعلهم طرفاً رئيساً ومهماً في أي حوار أو مباحثات للخروج من الأزمة، بل إنهم ذهبوا إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، بتمرير شروطهم للمصالحة، وكأنهم الطرف المنتصر في هذه الحرب، أو على الأقل القادر على المقاومة.
***
الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وأتباعه، ومثله عبد الملك الحوثي والميليشيات الحوثية، يبدو أنهم لم يفيقوا بعد من سكرتهم، فلم يشاهدوا ملاحقة طيران التحالف بقيادة المملكة لكل تحرك يقومون به، وأن اليمن برًا وبحرًا وجوًا أصبح منذ اليوم الأول لعاصفة الحزم خارج سيطرتهم تماماً، وأن مؤشرات هذه الحرب تظهر انهيار قواتهم تماماً، بل يبدو أنهم عاجزون حتى عن حماية أنفسهم من الضربات التي توجه لهم، وتصل إلى كثير من مخابئهم، كما أنهم غير قادرين على تصديق ما يجري، وكأنهم لا يعرفون حجم الأعداد التي تهرب منهم، وتتخلّى عنهم.
***
لقد انتظرت المملكة والعالم الحر من ميليشيات الحوثيين وعلي صالح وأعوانه أن يرفعوا الراية مستسلمين ومسلمين بشروط قوات تحالف (عاصفة الحزم) ليتجنبوا المزيد من الخسائر، وحتى تبقى المشروعات الكثيرة والمهمة التي أنفقت المملكة البلايين خدمة للشعب اليمني الشقيق دون أن يلحقها ضرر الدمار، غير أنهم أبوا واستكبروا، وأخذتهم العزة بالإثم، مفضلين نصائح إيران على نصائح المملكة، لتكون نهايتهم مأساوية ومحزنة، وبمثل ما نراه الآن، وكأنهم مغيبون تماماً مما يجري في سوريا وليبيا والعراق.
***
عفوًا، أيها الشعب اليمني الشقيق، فما كانت المملكة بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز تود أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، وقد انساق تجار الحرب من اليمنيين ممثلين بعبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح بتبني الأجندة الإيرانية، وقبلوا بإملاءاتها للإضرار بالمملكة ودول الخليج، غير أن المملكة حتى وهي صاحبة التاريخ المشرّف في دعم بناء اليمن الحديث بالمال الكثير، يصعب عليها أن تغض الطرف عن عدوان واسع ومبيت كانوا يخططون له، أو أن تتعامل مع سلوك مضر باستقرارها وأمنها بالتجاهل وعدم المبالاة، فهي لم ولن تفعل ذلك حتى لو تطلب منها حشد كل قدراتها العسكرية الضاربة لهذا الغرض.
***
لقد كان يفترض أن تكافأ المملكة نظير تمويلها لأغلب مشروعات التنمية في اليمن، بأخذ موقف الدفاع عنها لا العدوان عليها عند أي عدوان تتعرض له ويضر بمصالحها، غير أن الحوثيين والرئيس المخلوع هم الذين تبنوا هذه المواقف العدوانية التي تجاوزت الخروقات الأمنية، والتسللات العدوانية، والإعلام المعادي، إلى اختطاف اليمن وتحويله بكامله إلى منطقة عسكرية يقودها أعداء المملكة، وليس من هدف لهم سوى اقتحام حدود المملكة والإخلال بأمنها المستقر.
***
إن جهلهم، ومحدودية أفقهم، وعدم تقديرهم لأمور الحرب، ومصالح الشقيقة الكبرى، هو ما أغراهم ليلعبوا لعبة ليسوا في مستواها، ومن دون أن يعطوا حسابات لحجم القوة السعودية، التي تحمّلت من قبل إساءات كثيرة، وتسللات عرضت أمنها للخطر، ومع ذلك حاولت أن تعالج الوضع بالتفاهم وتغليب مصلحة البلدين على مصلحة عدوها، وعلى أمل أن يفهموا أن حرص المملكة واحترامها للجوار، وكذلك كون اليمن دولة شقيقة وأبنائها أشقاء، هو ما جعل من انطلاقة (عاصفة الحزم) تتأخر كل هذه المدة الطويلة، وليس لأي سبب آخر غير ذلك.
***
بقي أن نقول، إن تأديب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وأتباعه وعبد الملك الحوثي وميليشياته لن يتوقف، ولن تفيد الوساطات والشفاعات (وتبويس اللحى) من هنا وهناك، فالهدف من (عاصفة الحزم) هو إعادة الاستقرار إلى يمن واحد موحّد، وتمكين الرئيس الشرعي من بسط سلطاته، وتشكيل حكومته، وتسليم الميليشيات الحوثية جميع ما نهبوه من أسلحة ومال، وتخليهم عن احتلالهم للعاصمة، والمدن الأخرى، والمؤسسات الحكومية، والقواعد العسكرية، والمطارات، والتأكد من أن الحوثيين وأتباع علي صالح لم يعودوا قادرين على تحريك عناصرهم في أي عمل عدواني باتجاه حدود المملكة، وإلا فإن القادم سيكون أصعب عليهم بكثير مما يجري عمله الآن.