د. جاسر الحربش
لم يعد في العالم دولة واحدة تتبنى في دستورها وإعلامها وعلاقاتها الدولية أهداف وطموحات الدولة المذهبية سوى إيران، رغم إدراك العالم كله أنها خلف الستار دولة عرقية توسعية تسوق لأهدافها بشعارات المظلومية المذهبية والانتصاف من قوى الاستكبار. يكمن في مسمى الدولة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية كما تسمي نفسها، ما يزيد عن الحاجة من الكذب والتمويه ومحاولة إخفاء المضمون، فهي في التطبيق ليست جمهورية بل دولة ثيوقراطية، وليست إسلامية بل مذهبية، وليست إيرانية بل فارسية. لأسباب دولية وإقليمية نجحت الخطة حتى الآن وأصبحت إيران القومية الفارسية تشكل مع أتباعها تهديداً حقيقياً لدول الجوار باسم الإسلام، وتحديداً باسم المذهب الشيعي الجعفري الاثني عشري، الذي هو كسر جزئي صغير من العالم الإسلامي الكبير بمذاهبه الكثيرة.
تجاوزا عن الواقع الكاذب أصلاً، أين الفرق بين الحروب العرقية والمذهبية؟. لا يوجد فرق في المبررات ولا النتائج، فهي كلها تدمير متبادل بنتائج مروعة، ولكن المذهبية يوجد بداخلها سم أشد فتكاً بالمستقبل أكثر من الحاضر، يتمثل في كون الحرب المذهبية تشن باسم الله وتحت رايات الله، فتحلل المحرمات والجرائم من كل نوع، باسم الله ادعاءً كاذباً، وللدفاع عن شرع الله كفراً ونفاقاً.
لم يعد هذا العصر الذي نعيش فيه بما يوفره من وسائل التدمير الشامل يحتمل حروباً دينية أو عرقية، لكن المعتدى عليه بذريعة المذهب أو العرق يجد نفسه مضطراً للدفاع عن وطنه ونفسه وعرضه ومكونه الروحي وفضائه المعيشي الخاص. العصر العالمي الجديد بمفهوم التطور ميدان مفتوح على الإنجازات العلمية والصناعية والتعمير والتسويق. تخلف العقول في مواقع جغرافية معينة هو الذي ما زال يستثمر في المذاهب والعصبيات. لا يحضرني موقع جغرافي آخر أكثر حرصاً وتمسكاً بهذه الترسبات القاتلة من منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان ونيجيريا والصومال وإسرائيل، لكن إيران وإسرائيل تحتلان المركز الأول في هذا المضمار باجنداتهما المعلنة.
سواء اعترفنا أو أنكرنا، ما يتحكم في عالم اليوم ويحدد نجاح الدولة أو فشلها هو الاجتهاد في تطبيق منجزات الحضارة العلمية والفكرية الغربية. العقل الغربي الحر هو الذي أطلق المارد المادي من القمقم، ولكنه عندما اختبر قواه المدمرة اجتهد في تحصين نفسه بالدساتير والمعاهدات وقوانين التعايش والحريات المنضبطة. تتسابق الآن جميع دول العالم على تطبيق مخرجات الغرب المادية في البناء والتأثيث والإنارة والطب والزراعة ووسائل الإنتاج، لكنها -للأسف- تتسابق أيضاً للحصول على وسائل التدمير والقتل التي ابتدعها العقل نفسه، وهناك مجتمعات قليلة ما زالت تتردد عن الاستفادة من خبرات الغرب في التشريعات البرلمانية والحقوقية والروحية ومأسسة العلاقة بين الدولة والمواطن في الداخل وبين الدول تجاه بعضها بعضاً مع الخارج.
علينا أن نستحضر معرفياً وتعايشياً، أن التجديد النوعي الذي فرض بصمته المادية كاملة، والفكرية جزئياً، لم يتحقق للغرب بالصدفة المحضة ولم يتلقها كهدية ناجزة من السماء، وإنما وصل إليها مضطراً وخاضعاً بعد ويلات ألف عام من الحروب العرقية والدينية والمذهبية داخل مكوناته وانتشار الأوبئة والمجاعات. لم يصل الغرب إلى عقده الاجتماعي التعايشي إلا بعد استنفاد قوى التعصب الديني والمذهبي والعرقي بداخله ذخائرها المدمرة.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هكذا تسمي نفسها، مثال صارخ على استنساخ القوة التدميرية فقط من إنجارات العقل الغربي، بينما أبقت بالكامل على موروثها العنصري العرقي القديم، العدواني والشهواني لاستباحة المجتمعات المجاورة. عند دراسة الحالة الإيرانية نجد أن إيران اجتهدت فقط للجمع بين همجية الفكر العنصري والمذهبي مع القوة التدميرية التي ابتدعها الغرب ثم حاول تحصين نفسه ضد انفلاتها بداخله، بعد اختبار شرورها وآثامها.
هكذا وجدت المملكة العربية السعودية نفسها أمام حكومة مذهبية عرقية مسلحة حتى الأسنان، تسعى حثيثاً للحصول على القدرات النووية ونشرت لها وجوداً عسكرياً وإعلامياً واستخباراتياً في كامل الدائرة المحيطة بالجزيرة العربية حتى وصل إلى الخاصرة الأقرب جواراً ولغة وتاريخاً للسعودية، وهي اليمن. إزاء هذا الوضع، وقبل حصول هذه العقلية الغاشمة المغرورة على السلاح النووي، كان على المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي أن تتصرف، بسرعة وبأقصى ما تملكه من تركيز وحزم، فكانت عاصفة الحزم.
أوضح الأدلة على أن عاصفة الحزم هبت في وقتها هو هذا التضامن الواسع معها من جميع الدول والمجتمعات الإسلامية، مع الاستثناء المنطقي لأذناب إيران ومنظماتها الإرهابية في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}، هذا وعد الله. حكومة إيران مذهبية عرقية ظلمت شعوبها في الداخل وشعوب الدول المجاورة، وأول الخطوات لسقوطها النهائي سوف تكون -بإذن الله- على يد عاصفة الحزم. سقوط الحكومة الإيرانية الحتمي بمساعدة الشعب الإيراني المتململ توقاً للحرية والحياة سوف يفتح الباب لحوار إقليمي تعاوني، يجب أن يكون أهم أهدافه قبر الحروب والصراعات المذهبية والدينية والعرقية إلى الأبد وتخليص شعوب المنطقة من أجنداتها المدمرة. مع سقوط الحكومة الإيرانية يجب البدء في مشروع ما بعد الحروب المذهبية.