تحقيق - عبد الهادي بن مجنّي:
الكتاب هو: «عسير قبل الحرب العالمية الأولى» تأليف السير كيناهان كورنواليس، وترجمة عبد الرحمن عبدالفتاح أبو صلاح، وهو مترجم قاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط بأمر من: سعادة قائد قاعدة الملك خالد الجوية العقيد طيار ركن أحمد بن مساعد السديري.
وكورنواليس هو إنجليزي عاش خلال القرنين (13- 14 هـ 19-20م)، ويُعد أحد رجال الاستخبارات البريطانية، أرسلته حكومته إلى الشرق الأوسط من أجل تدوين تقرير عن أوضاعها التاريخية والحضارية، واستطاع أن يدوّن عنها معلومات قيمة في عام (1335 هـ 1916م)، حيث رفعها إلى المكتب العربي التابع للمخابرات البريطانية في القاهرة، وقد أُعيد طباعة هذا التقرير في لغته الرئيسة (الإنجليزية) ونُشر في بعض المطابع البريطانية والولايات المتحدة الأمريكية عام (1396هـ - 1976م)، وخرج في هيئة كتيب من القطع الصغير بعنوان: عسير قبل الحرب العالمية الأولى (asir before world war1) ويقع في 155 صفحة، ويحتوي على (17) فصلاً قصيراً، وكانت هناك محاولات من بعض الدارسين والباحثين لترجمة بعض فصول هذا الكتاب، وقد تحدث كورنواليس في كتابه عن بلقرن، وهذا ما نحن بصدد تحقيقه في مقالنا.
إن بلقرن هي إحدى قبائل جنوبي البلاد السعودية وتشتهر بالكرم والنخوة والشهامة، ومن خلال مشاهداتي وتجوالي في هذه البلاد وجدتها تقع بين قبائل رجال الحجر من الجنوب وقبائل غامد وزهران من الشمال، وهي تستوطن السراة وأجزاء منها تعيش في الأصدار عند سفوح السروات الغربية، والعشائر التي في السراة تتبع إمارة منطقة عسير إدارياً، أما الأجزاء التهامية التي تقطن العرضية فتعود تبعيتها إلى محافطة القنفذة، وقد كان ذلك في السابق، أما في وقتنا الحاضر فأصبحت محافطة اسمها العرضيات تراجع منطقة مكة المكرمة.
وقد ذكر كورنواليس موقع بلقرن وما يحيط بها من القبائل، وأشار إلى أعدادها الحضرية والبدوية، وذكر أسماء بعض شيوخها، وأورد معلومات عن العلايه والعرضية من حيث عدد سكانها وأسماء أعلامها ومكانتها السياسية وصلاتها مع الأتراك ومع الأشراف والإدريسي ونوه عن شخصيتين من بلقرن.
ونظراً لأن هذه الأجزاء السروية والتهامية من عسير كانت في ذلك الوقت بمعزل عن المؤلفين وأرباب القلم، فإن هذه المعلومات تعد مهمة وجيدة.
جاب هذا المستشرق المنطقة الجنوبية متنقلاً بين قبائلها وقراها، ومر ببلقرن، وتحدث عن مواطنهم فقال:
بلقرن تمتد من حوالي بيشة عبر سلسلة الجبال وإلى أسفل المنحدرات الساحلية، ويحدها من الشمال شمران وخثعم ومن الشرق شهران وبدو بني شهر ومن الجنوب بني عمرو وبني شهر ومن الغرب بالعريان وغامد.
1 - بلقرن السراة: وزعيمهم الشيخ مساعد بن مهران وهم يعيشون في العلايه وهي قرية كبيرة ومبنية من الحجر على بعد (8) ساعات تقريباً غرب قلعة بيشة، وهناك قرى أخرى مثل سهوه ونخلة ووجران.
أ - القسم المستقر: (4000) رجل والقبائل الفرعية هي السهيل والبرقوق.
ب - البدو الرحل: (2000) رجل والقبائل الفرعية هي العطفافة والهرير والدهشان، وهم أغنياء بالجمال والماعز والأبقار، ويتواجدون في بيشة أثناء موسم البلح ويطوفون ويتنقلون في بلادهم بقية أيام السنة.
2 - بلقرن تهامة: يسكنون منطقة (العرضية) وهم مقيمون يشتغلون بالزراعة وزعيمهم «الشيخ مجرّي بن سعيد» (لم نستطع تحديد الاسم الحقيقي للشيخ الذي أشار إليه، ربما أنه أحد النواب لفرع من بلقرن، أو أن المؤلف نقل المعلومة بشكل خاطئ)، وقبائلهم الفرعية الرئيسة بني سهيم والمبنى والضروة والعتيم.
والقسمان صديقان ويساعدان بعضهما بعضاً، وأعداؤهم قبائل شهران وبني شهر وغامد وشمران، بينما أصدقاؤهم هم خثعم وبني عمرو، والقبيلة معروفة بكرمها، والمرور عبر أراضيها سليم ومأمون ولكنهم يؤيدون الإدريسي ويدفعون له الضرائب.
ولم أكن أرغب في أن أضيف هذه الإساءات والعداوات التي ذكرها، لأنها كما تبين لي غير دقيقة، لكن للأمانة في نقل وطرح المعلومة أوردتها كما هي.
وعند الحديث في أحد فصول الكتاب عن 100 شخصية من عسير ذكر أن:
(مساعد بن مهران): هو شيخ مشايخ بلقرن الشام ويعيش في (العلاية) وهو صاحب عقارات وله أملاك حول (العلاية) وكذلك في بيشة وهو موالٍ للإدريسي ويجمع له الضرائب. أما الشخصية الأخرى فهو:
(مجرّي بن سعيد): شيخ بلقرن اليمن وهو موالٍ للإدريسي ويدفع له الضرائب.
وهذه المعلومات التي أوردها كورنواليس ليست دقيقة وبعضها مغلوط سواء عن الشخصيات أو عن قسمي بلقرن وتفرعاتها، وردنا على ما قاله، أن ليس هناك بلقرن الشام وبلقرن اليمن وإنما هم بلقرن السراة وبلقرن تهامة، وربما كان قصده ذلك، الأمر الآخر أن الشيخ مساعد بن مهران هو شيخ شمل قبيلة آل مشيب بجميع تفرعاتها، ويكفهم جميعاً ولا زالت المشيخة في أسرته وأبنائه وحفيده الشيخ عوض بن علي لا يزال هو شيخ شمل القبيلة إلى اليوم، وآل مشيب هي القبيلة الرابعة من أصل أربع قبائل هم آل سليمان، وقبيلة بني رزق، ودحيم، ثم آل مشيب التي أشار إلى شيخهم هنا، أما مجرّي بن سعيد فلا نعلم أن هناك أحد مشايخ بلقرن يحمل هذا الاسم إلا أن كان حدث خطأ في اسمه كما فعل في أسماء الكثير من مشايخ وأعيان المنطقة الجنوبية في ذلك العهد، وأود أن أوضح أن الشخصيات التي كانت في تلك الفترة التي مر بها كورنواليس تقوم على رئاسة قبائلها هي على النحو الآتي: قبيلة بني رزق ولها عدد من المشايخ هم الشيخ محمد بن عبد الله بن عمّار شيخ شمل قبيلة بني رزق النبيعة، وابن وهاس شيخ قبيلة بني رزق ثريبان (العُرض)، أما بني بحير فقد تعاقب على مشيختها عدد من الأعلام، ولعل أبرزهم الشيخ سعد بن موسى ودخيل بن بركات وعبد الله بن محمد بن مجنّي وعلي بن قصّاص البحيري، وهناك بني سهيم كانت تستقل بشيخ شمل يكف تفرعاتها، وقبيلة الشعف وقبيلة الحميد هي أيضاً لها شيخان إلا أن بعض الروايات والمصادر تشير إلى أنهم نواب وشيخهم ابن وهاس، أما آل سليمان في تهامة فإن شيخهم في ذلك العهد الذي مر فيه الرحاله كورنواليس هو الشيخ ردعان بن عبد الله، ونخال شيخهم هو علي بن حسن الكاملي، وعماره شيخهم ابن سدران، وآل سليمان في السراه مشايخهم ابن عثمان، وابن مجدوع، وأخيراً قبيلة دحيم فقد قام على مشيخة شمل هذه القبيلة خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر آسرة آل صيفي ولا زالت فيهم إلى وقتنا الحالي.
وحينما تحدث الرحالة كورنواليس في أحد فصول الكتاب عن الضرائب في منطقة الإدريسي ألمح إلى قبيلة بلقرن في تهامة أنها إحدى القبائل التي كانت تدفع الضرائب في تلك الفترة للإدريسي، وذكر بأن الضريبة هي القمح أو الحبوب بمعدل مد واحد لكل 12 مداً تدفع عنها نهاية كل محصول، وضريبة الماشية بمعدل (1) بالمائة للأغنام، و2 بالمائة للأبقار والجمال، وشيوخ القبيلة هم المسؤولون عن جمع تلك الضرائب، رغم أنه كان للإدريسي مفتشون يجوبون المنطقة، وهؤلاء المفتشون هم عادة من الرجال ذوي المكانة ومن العمد، وكانت الحبوب والماشية تباع في الحال ويرسل دخلها وإيرادها إلى صبيا.
وفي الفصل الخاص بالمواصلات تحدث عن الطرق الرئيسة في منطقة عسير، وذكر أن الطريق الخامس الذي يربط أبها بالطائف تكون بلاد بلقرن السراة هي إحدى محطاته ومراحله والطريق تعبر منها باتجاه الطائف.
وما سبق يتضح عدة أمور سأوجزها فيما يلي:
1 - تحدث هذا المستشرق عن بعض عشائر بلاد بلقرن الممتدة من بيشه حتى بلاد بني عمرو جنوباً، فذكر مواطنهم وأشار إلى بعض صفات تلك القبائل.
2 - ذكر أن سكان هذه البلاد السرويه والتهاميه كانوا في صفوف الأتراك أثناء قدومهم إلى المنطقة، لكن بعد ظهور الإدريسي في جازان، فضّلوا الانضمام إلى جانبه، والانقياد في دفع الضرائب إليه.
3 - ذكر هذا المستشرق إحصائية غير دقيقة لقبيلة بلقرن، فهذا الرقم السكاني نتحفظ على ما ورد فيه.
4 - عند حديثه عن بلدة العلايه ووصفه لها ما يؤكد أنه قد رآها وتجول بها ولم ينقل عمن سبقه من المستشرقين.
5 - ذكر الرحالة أسماء لقرى من بلاد بلقرن في ذلك التاريخ الذي مر فيه، ولم نجد أسماءها تلك ما زالت تتداول، فلربما تكون تغيرت وحل محلها أسماء جديدة، أو كان هناك خطأ في نقل تلك الأسماء من العامة، أو الترجمة لم تكن كما يجب.
وفي نهاية هذا المقال أهيب بأبناء بلقرن من أصحاب الفكر والقلم، وأقول لهم إن جمع كل ما كُتب عن بلاد بلقرن والعرضية بقبائلها وسكانها، لهو جدير بالاهتمام والجمع والدراسة، وكتب الرحلات بها شذرات متفرقة تحتاج من أبناء تلك البلاد من يُوثقها، والأمل فيكم يا أبناء المنطقة كبير.
bnmgni@hotmail.com ** ** تويتر @bnmgni