حمّاد السالمي
بعد مرور ست سنوات على تولي الرئيس اليمني السابق (علي عبدالله صالح) رئاسة الجمهورية اليمنية؛ وتحديداً في صائفة 1984م؛ كنت في صنعاء ضمن وفد سعودي اقتصادي إعلامي كبير مشارك في مؤتمر اقتصادي عربي في صنعاء. ذات مساء؛ من بعد العصر،
اصطحبني شاعر يمني -كان مرافقاً لي هو وسائق من المراسم الجمهورية- من فندق بلقيس إلى خارج صنعاء. صعدنا تبة ترابية مرتفعة وسط مزارع القات تشرف على العاصمة من جنوبيها. هنا وقفنا وأخذنا نمد الأنظار إلى المدينة أمامنا، فجأة قال لي مرافقي: هنا تنتهي ولاية (علي عبدالله صالح)..! ولما نظر إليّ ولمس اندهاشي من كلامه أردف: لا تستغرب، الولاية خارج العاصمة للقبائل فقط.
* بعد هذا التاريخ إلى سنة 2012م، حيث انتهت ولاية علي عبدالله صالح بتفجير كاد يودي بحياته، أي بعد مرور 34 سنة كان فيها رئيساً لليمن، لم يستطع الرئيس بسط نفوذ حاكميته على كامل اليمن، بل قل لم يرد ذلك، لأنه انشغل بنهب أموال الشعب اليمني لتصل إلى أكثر من ثلاثين مليار دولار..! واهتم فقط بتكوين قوة خاصة تحيط به وتحميه، واستمتع بولاءات قبلية مشتراة، وراح يزج بغير المرضيين عنده من الساسة والعسكريين اليمنيين في حروب طاحنة لتصفية حساباته، ولابتزاز الدولة الجارة لبلاده، مرة مع الجنوبيين، ومرات كثيرة مع الحوثيين في صعدة، ليبقى هو البطل المخلص في نهاية المطاف.
* كيف وصل الشاويش علي عبدالله صالح إلى رئاسة الجمهورية..؟.
* تفاصيل هذا غير معروفة عند كثير من اليمنيين وعند غيرهم، ذلك أنه بُعيد اغتيال الرئيس أحمد الغشمي، أخذ المهتمون بالشأن اليمني في المنطقة؛ يبحثون عن البديل الذي دلهم عليه الشيخ عبدالله الأحمر، هذا البديل هو ضابط صغير في كتيبة عسكرية في الحديدة اسمه علي عبدالله صالح، جيء به في الليل إلى صنعاء، ثم دارت مسرحية انتخابية لمجلس الرئاسة اختارته رئيساً بالإجماع، وكان ذلك في 17 يوليو 1978م.
* حصل علي عبدالله صالح وحكومته على مدى أكثر من ثلاثة عقود، على دعم كبير وأساسي من جارة اليمن الكبرى المملكة العربية السعودية، شمل هذا الدعم كافة الميادين السياسية والاقتصادية والتعليمية والصحية وحتى العسكرية، حتى أن المملكة كانت تدفع رواتب معلمين متعاقدين من مصر إلى جانب المعلمين السعوديين العاملين في المدارس، وتدعم ميزانية الدولة، وتبني المدارس، وتفتح الطرق، وتدير المصحات، وتمنح أكثر من مليون يمني معاملة خاصة في العمل والإقامة، ويوفر هؤلاء العاملون في المملكة عملات صعبة لبلدهم والعيش الكريم لأسرهـــم، لكن ما أن ارتفعت شعارات المقبور صدام حسين، حتى انضوى تحت لوائه علي عبدالله صالح في (مجلس التآمر العربي)، ومنذ اليوم الأول لغزو الكويت وعلي عبدالله صالح مع المعتـــدي ضد المعتدى عليه، وضرب بمصالح اليمن واليمنيين عرض الحائط، حتى المليون يمني في المملكة نفخ فيهم إعلامه وحرضهم على الرحيل؛ وهو يعرف أنهم لا عمل لهم عنده.
* ظل علي عبدالله صالح طيلة عقود حكمه؛ رئيساً لحرس جمهوري يبنيه لليوم الذي رأيناه فيه يخرج من بين الركام بجروح بليغة، ويغادر كرسي الرئاسة غصباً عنه، ليعود في شكل المنتقم الذي لا يرى إلا نفسه.
* ظلت حسابات الرئيس المخلوع دائماً خاطئة. اشترى شعارات صدام حسين وباع مصالح اليمن، ثم عاد يستجدي الدعم أسرع من غيره. حمل على أهل الجنوب اليمني في سنة 1994م، وقتل وشرد وخرب، وعندما أصيب في التفجير المدبر له في صلاة الجمعة في صنعاء؛ لم يجد غير الرياض ملاذاً وطلباً للشفاء، فلما عوفي؛ عاد إلى عادته القديمة في المخاتلة والغدر، فيضع قواته التي بناها لرئاسة له حتى الموت، في خدمة المشروع الفارسي في اليمن، الذي ينفذه الحوثيون على حساب اليمن وشعبها، وعلى حساب المملكة والخليج والمنطقة العربية برمتها. حساب خاطئ جديد لعلي عبدالله صالح، ظناً منه أنه سوف يستخدم الحوثيين لإنجاح مخططه في العودة إلى قصر الرئاسة في صنعاء، ويستخدم الفزاعة الإيرانية لتحييد جيران اليمن الذين لم يقبلوا بهذه المسرحية على الساحة اليمنية، وقد ثبت هذا عندما جاء ابنه أحمد يطلب من المملكة الأمان له ولوالده وأمواله الطائلة، مقابل انقلابه على الحوثيين..! ثم يخرج بعد ذلك يصرخ طالباً وقف عمليات (عاصفة الحزم) التي سوف تطهر اليمن منه ومن الحوثيين وكافة عملاء الدولة الصفوية في الأرض اليمنية.
* هذا هو الشاويش القديم، والرئيس الذي تحول بعد خلعه إلى (ثعلب جريح)، لا يدري كيف ينتقم من اليمن وأهل اليمن، حتى جبال اليمن ووديانه لم تسلم من مدافعه وأسلحته التي ظل وما زال يتمترس بها في وجه الشرعية اليمنية وأنصار الشعب اليمني من العرب والمسلمين.