رمضان جريدي العنزي
يبدو أننا كعرب نعيش مرحلة تاريخية فريدة من نوعها، ونشهد حالة فوضوية لم يسبق لها مثيل في غالب بلادنا العربية، نشعر وكأننا نمر بظروف سريالية شديدة التعقيد، أحياناً يُخيل إلي وكأنني أراقب تفاصيل مسرحية سوداء لا نهاية لها ولا قرار، النار تلتهب وتتصاعد في ليبيا،
والحزن والتعاسة والتشرذم وتشعب الولاءات وكثافة الدم قابعة منذ أمد في العراق، والعفاريت الحمراء تتجول في اليمن غير مبالية بالخطر الداهم الذي سيكون، والفقر والتخلف والمجاعة اجتاحت وما زالت تجتاح الصومال، والرعب والحرق والإبادة والموت الجماعي تسللت إلى سوريا، وأسد سوريا ما زال يبصق في مياه بردى والفرات، ويذهب إلى بساتين التفاح، ودوالي العنب، وحقول الحنطة، وشجرالزيتون، ليحرقها بنيران الطائفية البغيضة، والحقد الأعمى اللعين، معارك ضاربة، ومحارق مهولة، ومهالك وضحايا وجثث متساقطة على الأرصفة العربية الطويلة بلا هدف ولا معنى ولا غاية ولا نتيجة، الغربان تنعق وتواصل النعيق والزعيق ليل نهار فوق أسطح المباني المهدمة في بلادنا العربية، ولا نرى سوى أشباح بشعة مخيفة تتراقص مع بعضها بعضا فوق جثث الأطفال والشيوخ والنساء الممزقة في الدروب والحارات والسكك المعفرة بدماء الأبرياء، لقد تفتقت مواهبهم الخبيثة، وراحوا يطلقون العنان لأفعالهم الرديئة دون لجام يوقف سباقهم المحموم نحو أخذ العرب للفوضى العارمة ومن ثم إلى الهاوية السحقية، هذه الأشباح، رسل خراب، تدق نواقيس الهدم والدمار والإبادة والنكوص، تجند أعلامها المأجور، تحشد أقزامها، تقف في طليعة المخربين في كل محور من المحاور المعادية للعرب، وسوف لن تتردد في طعن بعضها البعض، وتهشيم أضلاع بعضها البعض، وإبادة بعضها البعض الآخر، إنني أتساءل وبحرقة عن المبررات والمسوغات التي تدفع بنا كعرب إلى شقلبة الحقائق، وتحريف الوقائع، وقلبها رأساً على عقب، بالاتجاه الذي يشوه صورتنا، ويطمس معالمنا، ويحولنا إلى مادة حارقة من مواد إذكاء الفتن وإثارة النعرات العصبية، وجعلنا أداة من أدوات القتل والهدم والشحن والتحريض والإثارة وتثبيت البغضاء، وما الذي يضطرنا لفعل ذلك؟ وما السر في ذلك؟ أن النكبات التي تحدث على الأرض العربية اليوم وتدور، مفزعة ومخيفة وقابلة للتكاثر والانشطار، إن من يتابع هذه الحقيقة المرة سيكتشف بأن هناك قوى أقليمية وعالمية خفية تعمل بصمت مع خفافيش الخراب، وسفراء الدماء، وقصار النظرة، ومحدودي الفكر، وأصحاب الهوى، على تأجيج الصراع فوق الآرض العربية، سعينا لتشويهنا وإظهارنا أمام العالم كأمة ممزقة متناحرة متفككة، إننا كعرب نحتاج إلى تعاون مشترك قوي وفعال، لمواجهة الظروف الصعبة والقاهرة التي نمر بها، والوقوف بصلابة أمام التكتلات والقوى الإقليمية والالمية التي تتربص بنا لإجبارنا على الخنوع والاستسلام، أوالقضاء علينا ببطء، ومن ثم إذابتنا، لقد حان الوقت والأوان من أجل انطلاقة عربية سليمة تضع ترسبات الماضي جانباً، وتبدأ على أسس جديدة، قوامها الاحترام المتبادل دون مزايدة ولا مساومة، حفظ الله الأمة العربية من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، ومكر الماكرين، وظلم المعتدين، وتخبط المتهورين، وأعمال السفهاء المجانين، ومخالب الباطلين.