رشيد بن عبدالرحمن الرشيد
(الموت) نهاية قصة الحياة مهما طالت، وصانع الثكالى لا تنفع معه صرخة الحداد، إنه الفراق قدر مكتوب مهما طال الزمان... والموت زائر يتسلل بيننا لا يعرف لغة الاستئذان يخطف الأعزاء والأصدقاء والأقرباء...
وكأنه يقول على لسان الشاعر:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوماً على الآلة الحدباء محمول
للوداع الأخير لمن أحببته وحشة خاصة ويوم لا ينسى وذكرى حزينة، وإن العين لتدمع والقلب ليحزن... وإنا على فراقك (يا أبا علي) لمحزونون ولكن نقول مؤمنين:
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
مساء يوم السبت الموافق 16-5-1436هـ وفي طريقي من الرياض لفت نظري رسالة تسللت إلى هاتفي المحمول تقول (منيع الخليوي في ذمة الله) صدمتني برهة من الزمن، وعاودت الاتصال لعل رسالة تزيل الغمة وتكشف الحقيقة، لكن تأكد الخبر أن العم (منيع بن علي ناصر الخليوي) انتقل إلى رحمة الله وأصبح رقما في أعداد الموت...
رحل العميد المتقاعد ذلك الرجل العطوف الحنون الذي كثيراً ما يسأل عن الصغير والكبير... رحل لطيف المعشر صاحب القلب الكبير الذي استوعب الجميع، رحل صاحب الأخلاق الفاضلة التي أكسبته محبة الأقرباء والأصدقاء والزملاء وانطبق عليه قول الشاعر:
كأنك من كل النفوس مركب
فأنت إلى كل الأنام حبيب
وأن السيرة الجميلة تبقى حياة أخرى مهما غادر الجسد، ومن حق عمنا علينا أن نخلد جزءا من تاريخه ليعرف الأحفاد تاريخ الأجداد.. والعم منيع هو أحد أبناء الشيخ علي بن ناصر الخليوي-رحمه الله - من أعيان مدينة الرس المشهود لهم بالحل والربط في وقت سابق .. ومن شارك في الحياة العسكرية في زمن التأسيس وهو وجيه في عائلته الخليوي..
ولد العميد منيع في الرس وعاش صباه فيها، ولما بلغ سن التعليم التحق بالمدرسة السعودية الابتدائية بحي الزاهرية لينهل من المعرفة ويعرف أبجديات التعليم، وكان مديرها الأستاذ عبدالله عبدالرحمن العرفج وتلقى دروسه على يد كوكبة من المعلمين.
المميزين منهم الأستاذ عبدالله الناصر الرشيد وعلي الصالح الضلعان وعبدالله إبراهيم الطاسان رحمهم الله جميعاً... ومن زملائه في المرحلة الابتدائية الدكتور صالح العايد وناصر عبدالرحمن الضويان وعبدالله محمد العقل وأخوه سالم علي الخليوي والدكتور صالح عبدالله المالك وأخوه عبدالعزيز وعبدالله سليمان العلولا وعبدالله ناصر العذل وصالح إبراهيم الغفيلي وعبدالله صالح الرشيد. وكانت همته عالية وطموحه كبير، فبعد تخرجه شد الرحال إلى مكة المكرمة والتحق بالمعهد العلمي في مبناه القديم قرب المسعى واستمر عاما فيه... لكن لم يكن هو الغاية لأن أبا علي رحمه الله قد استهوته العسكرية متأثراً ببعض أقاربه الذين يراهم باللباس العسكري أثناء زيارتهم لمكة ناهيك عن حياة والده العسكرية السابقة في شبابه حيث خدم دينه ثم مليكه ووطنه... كل هذا جعله يتجه إلى المدرسة العسكرية بالطائف في 10-10-1370هـ وتخرج منها برتبة ملازم ثاني في 21-8-1373 ضمن الدفعة العاشرة التي عددها 21 ضابطاً.. ثم سافر إلى الرياض وهناك كان حفل التخرج على شرف صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالعزيز... ومن زملائه في الدفعة اللواء متقاعد عبدالله محمد الخليفة وصالح محمد الغفيلي سفير المملكة بالإمارات سابقاً... وقد توجه الخريجون للسلام على الملك سعود في قصر الحكم بالصفاة بالرياض.
بدأ العميد أبو علي حياته العملية براتب لا يتجاوز (320) ريالا في مدرسة سلاح الإشارة بالطائف حتى عام 1379هـ ليتم ترفيعه من ملازم أول إلى رتبة نقيب ثم انتقل إلى مدينة الخرج من عام 1379هـ إلى 1382هـ وغادر إلى الطائف ليستقر فيها حتى عام 1384هـ وتمت ترقيته لرتبة رائد لينتقل إلى الرياض سنتين، ثم يستقر في الخرج حيث أمضى خدمته بالجيش السعودي إلى أن أحيل للتقاعد في 1-10-1396هـ وهو على رتبة عميد.
ومن نشاطاته العسكرية التحاقه بدورات بمدرسة سلاح الإشارة ومدرسة التموين بالطائف عام 1377هـ... وشارك في دورة مخابرة في مدرسة المخابرة في معسكر الوشاش ببغداد برفقة 3 ضباط سعوديين في مطلع عام 1958م إلى جانب دورة للغة الإنجليزية في معهد اللغات... ناهيك إنه شارك في لجنة السلام باليمن بصنعاء والحديدة عام 1387هـ وكان من زملائه في اللجنة نايف عون وسليمان وهيب وعصام بريك ويحيى دفتردار.
إن الحياة العسكرية للعم منيع رحمه الله قد أكسبته النظام والمسؤولية والجدية في العمل وعلمته الثقة بالنفس وفراسة الرجال وصحبتهم ومع هذا فهو لديه ميول للقراءة والاطلاع ولا سيما بعض الصحف المحلية والكتب التاريخية ومعرفة الأخبار...
وعاشق للترحال والسفر ويميل إلى الاعتدال في حياته ويكره الإسراف في كل صورة. رجل من سجاياه الصدق والأمانة ويردد حكمة شعارها مخافة الله من أهل التقى والصلاح عابدا شاكرا لربه هكذا نحسبه.. وله صداقات كثر ومنهم القدماء العميد محمد الذويب ومحمد الشويعي وعبدالله محمد العقل رحم الله المتوفين منهم.
طويت صفحة العم منيع في مساء يوم الأحد 17-5-1436هـ في ساعات وداع حزينة بعد عصر ذلك اليوم بمقبرة الرس بعد الصلاة عليه في جامع الشايع ومئات المشيعين يدعون له بالرحمة والمغفرة وأن يثبته على القول الثابت وأهالي الرس لهم حضور كبير في وداع موتاهم وتقديم العزاء والمواساة... هكذا ووري الثرى بين دمعة حزينة لم تحتبس بالعيون وشفاه تردد الدعاء له وقلوب مكلومة.
رحمك الله يا أبا علي وجعل ما أصابك كفارة وطهورا... وأحسن الله عزاءنا وعزاء إخوتك (الأعمام) سالم وناصر وسليمان وعبدالعزيز.. وصادق المواساة إلى أبنائك علي ويوسف ومحمد وزياد وناصر... وكريماتك وزوجاتك وأحفادك وأسرتك الخليوي في الرس والرياض وفي أرجاء الوطن الغالي..
المصاب عظيم والخطب جلل لكن ندعو الله أن يرحم عبده (منيع) ويسكنه فسيح جناته.. وختاماً نقول اللهم بدله دار خيراً من داره، وأنزله منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين، واجعل قبره روضة من رياض الجنة وأملأه بالرضا والسرور والفسحة والنور.