جاسر عبد العزيز الجاسر
أنهت نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية أحلام من كانوا يراهنون على تحقيق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
نتنياهو لم يكن مختلفاً عما سبقه من القادة الإسرائيليين في عرقلته لعقد مثل هذا الاتفاق، إلا أنه أكثر منهم إفصاحا عن المواقف الصهيونية، هذه المواقف التي لا تختلف بين معسكرات اليمين أو اليسار، أو بين جماعة نتنياهو الذي يتزعم تكتل الليكود ويقود تجمعاً سياسيا يضم خليطا من المتدينين واليمنيين من مستوطنين وحاقدين على العرب، ومعسكر يقوده رئيس حزب العمل يتسحاق هرتوغ الذي يطلق عليه الاتحاد الصهيوني، فالموقف واحد والعمق الأيديولوجي واحد إلا أن هناك اختلافا في التعامل والتكتيك.
نتنياهو ومن معه من أحزاب اليمين والمستوطنين والمتدينين أخذوا يجاهرون بعدم إمكانية إقامة دولتين (إسرائيلية وفلسطينية)، في تحول واضح وكشف (صادق) عن الهدف الإسرائيلي الذي كان نتنياهو وغيره من قادة إسرائيل يعملون على تحقيقه عبر تسويفهم وتطويلهم للمفاوضات دون تحقيق أية نتائج مثمرة، وبدلاً من هذه المراوغة كشف نتنياهو عن موقفه ومواقف الإسرائيليين، وتراجع عن كل التعهدات التي التزم بها الإسرائيليون بما فيهم حزبه عن دعمه لإقامة مشروع الدولتين، وهو المشروع الذي أطلقه الأمريكيون ويعد حجر الزاوية في جهود السلام المستمرة منذ أكثر من عقدين.
نتنياهو نفض يده من هذا المشروع الأمريكي في الأصل، وهنا إِذا كانت السياسة الأمريكية جادة وكذلك إدارة أوباما بسعيها ودعمها للسلام ووفية لمبادئها وتعمل على إبقاء الاحترام والهيبة لمساعيها، فإنه يفترض أن يكون هناك رد يتوازى مع الاستهتار الإسرائيلي الذي أعلنه نتنياهو بوضوح تام، وزاد عليه بالتعهد بالمضي قدماً في بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الموقف المنتظر من الإدارة الأمريكية إِذا كانت تحترم تعهداتها ومكانتها الدولية كدولة عظمى أن تدافع عن سياستها التي تتحدث دائماً عن أن أي اتفاق سلام فلسطيني - إسرائيلي يجب أن يؤدي إلى دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، ولواشنطن أساليب وطرق عديدة تعيد الصواب إلى نتنياهو ومعسكر التشدد الإسرائيلي، وقد تحدثت وسائل الإعلام الأمريكية عن أن من بين هذه الأساليب سماح إدارة أوباما لمجلس الأمن بتبني قرار حول حل الدولتين على أساس حدود عام 1967، وهناك أحاديث وتكهنات داخل أمريكا باحتمال قيام واشنطن برفع الغطاء الذي كانت تؤمنه لفترة طويلة لإسرائيل في مجلس الأمن، وسط تحركات فلسطينية من أجل الوصول إلى إقامة دولة.
هذا التباعد الأمريكي - الإسرائيلي فرصة للفلسطينيين بأن يحزموا أمرهم ويرموا بكل ثقلهم ومعهم العرب والمسلمين جميعاً والعودة مرة أخرى لمجلس الأمن الدولي؛ لانتزاع اعتراف الأسرة الدولية بدولة فلسطينية خاصة بعد أن اقتنع الجميع بأن الإسرائيليين لا يريدون السلام بل فرض الاحتلال، وهو ما أحرج أقرب وأكثر حلفائهم الذين كانوا يمنعون العالم من الاعتراف بحقوق الفلسطينيين الشرعية.
الآن من حق الفلسطينيين ليس فقط الذهاب إلى أي مكان لإقامة دولتهم، بل أيضاً من حقهم فعل أي شيء لمواجهة من يحرمهم هذا الحق.