جاسر عبد العزيز الجاسر
بالسلاح نفسه الذي استُعمل في نشر الفوضى في سوريا والعراق وتحويل الأولى إلى دولة فاشلة تماماً تتقاسمها أطراف عدة، فثلثها محتلٌ من قِبَل الإيرانيين وحلفائهم من المليشيات الطائفية القادمة من العراق ولبنان وإيران وباكستان وأفغانستان، وثلث ثانٍ محتلٌ من قِبَل الجماعات الإرهابية على شاكلة داعش والنصرة وخرسان التي تضم مقاتلين أجانب ليس من السوريين فحسب بل شملت مقاتلين من آسيا الوسطى ومن القوقاز والشيشان والتتر، إضافة إلى المقاتلين العرب والأفارقة من أفريقيا والجزيرة العربية، ويبقى الثلث الآخر الذي ينتقل من سيطرة جماعة إلى أخرى، من الجيش السوري الحر إلى التحالفات التي سرعان ما تنهار. وواقع حال العراق ليس بأفضل من سوريا، فالعراق أيضاً يكاد يكون مقسماً إلى ثلاثة أجزاء، جزء تشارك الدولة السلطة فيه الجماعات الطائفية المدعومة بخبراء وقادة وحتى مقاتلين من الحرس الثوري تحت غطاء الحشد الشعبي، مما أوجد حالة أشبه بالاحتلال الإيراني في هذا الجزء، أما الجزء الثاني فيتمثل بدولة الأكراد التي تتمدد وتضم كثيراً من الأراضي المتنازع عليها خصماً من حصة العرب السنة، أما الجزء الثالث فهو الذي لا يزال تحت سيطرة داعش وإن تقلص في محافظة نينوى وصلاح الدين وأجزاء من ديالى والأنبار.
والذي أدى إلى ذلك وبالذات في العراق هو تراخي حكومة نوري المالكي ودوره التآمري مع نظامي ملالي إيران وبشار الأسد في صنع داعش، الذين أُعِدوا وولِّدوا من رحم سجون بغداد، فالبغدادي الخليفة المزعوم جُهِّز ودُرِّب في أكبر سجون بغداد، ومُهِّد له لجمع أركان خلافته عندما مُنِحَ حرية الحركة والتجوال في المناطق التي أقيمت عليها دولة الخلافة، ومن كبار غلاة الإرهابيين الذين كانوا سجناء في معتقلات سورية والعراق، وُلدت دولة داعش التي تمددت إلى خارج البلدين لتصل إلى شمال إفريقيا، والآن سيستولدونها في اليمن بالأسلوب نفسه (التمكين)، حيث تمكين الإرهابيين لفرض سطوتهم على اليمنيين يجري تطبيقه، والبداية تابعنا كيف تمدد الحوثيون والذين مثل لهم تحالفهم مع علي عبدالله صالح دعماً عسكرياً لا يُقَدّر بثمن، إذ قاتل معهم أكثر من نصف جيش اليمن الذي اشتُري ضباطهم بأموال إيران التي تدفقت على الحوثيين وضخمت ثروة علي صالح. والآن، وبعد تقليص مكاسب الحوثيين تم الاستعانة بسلاح الفتنة وتفجير العلاقة الهشة بين السنة والزيديين، جاء تفجير المسجدين في صنعاء، وهما مسجدان معروفان في صنعاء بأنهما يمثلان بؤرتين للتشيع على الطريقة الفارسية، فاستهداف جامع البدر وجامع الحشوش، وقتل مرجع التشييع في اليمن مرتضى بن زيد المحطوري هدفه تفجير صراع مذهبي وتصعيده بالسلاح نفسه الذي استعمل في سوريا والعراق لدفع كلا الطرفين المذهبيين للالتجاء إلى القوة المسلحة التي تزعم حمايتهم من المكون الثاني. ومع اندلاع هذا التصعيد المذهبي يعمل الحوثيون على التمدد في المحافظات وإرسال المقاتلين الذين جلهم من القوات المنحازة إلى الرئيس السابق، وقتل كل من يعترض على تمدد الحوثيين، إذ شهدت المظاهرات حالات من إطلاق النار، كما لم يتوان الحوثيون وحليفهم علي صالح من تقويض الشرعية اليمنية بإرسال الطيران الحربي من صنعاء للإغارة على القصر الرئاسي والطلب من قادة القطاعات العسكرية التمرد على الشرعية مثلما حصل عندما تمرد قائد الأمن المركزي العقيد السقاف. والهدف كله ينحصر في تقويض الدولة اليمنية لإتاحة الفرصة للحوثيين لإقامة كيانهم، ولا مانع من مشاركة داعش فيما تبقى من اليمن، وهو ما بانت ظواهره في تفجيري المسجدين يوم الجمعة.