جاسر عبد العزيز الجاسر
بحلول السادس عشر من آذار - مارس تكون الثورة السورية قد دخلت عامها الخامس، وسط تردٍ عام لكل أوجه الحياة في هذا البلد الذي اُبتلي بقيادة، همّها البقاء على كرسي السلطة حتى ولو أفنت الشعب بأسره، وسياسيين لا يجيدون تخليص البلد من ورطته، فكل فريق متشبث بفكره وبحزبه وجماعته، مما جعل الجميع يُعارض بعضهم البعض، وهو ما أتاح سيطرة جهات أجنبية على البلاد، فسوريا محكومة الآن من الآخرين، داعش تسيطر على ثلث مساحة البلاد، والمليشيات والجماعات المسلحة تشارك الجيش السوري الحر في السيطرة على ثلث آخر، فيما يحكم الثلث الثالث النظام الحاكم بمشاركة قوات من الحرس الثوري الإيراني والجماعات الطائفية القادمة من لبنان والعراق وأفغانستان والهند وباكستان، لتصبح سوريا مجزأة إلى أجزاء مقسّمة محكومة من جماعات، ومليشيات أجنبية لها سطوتها ونفوذها أكثر من النظام الحاكم نفسه، فمليشيات حزب الله وعناصر الحرس الثوري الإيراني هم الأكثر سيطرة وهيمنة من قوات النظام، فيما تقع المحافظات الشمالية في قبضة المليشيات المتطرفة موزعة بين تنظيم داعش، وجبهة النصرة، وما بين هذين التنظيمين يحاول الجيش السوري الحر والجماعات السورية المعارضة المعتدلة البحث عن موقع ومكان وسط سطوة الجماعات والمليشيات الإرهابية، وتدور معارك ضارية في الجنوب، بعد أن كثّفت المليشيات الطائفية الشيعية اللبنانية والعراقية، المدعمة بعناصر الحرس الثوري الإيراني، هجماتها ضد الثوار السوريين، هادفة لتأمين العاصمة السورية دمشق، وإقامة نقطة تجمع لهذه المليشيات على الحدود مع فلسطين من خلال إقامة جبهة تماس مع القوات الإسرائيلية على مشارف هضبة الجولان لتوظيفها كورقة ضغط إيرانية، مثلما استعمل جنوب لبنان لهذا الغرض.
الآن، وبعد انقضاء أربع سنوات على ثورة السوريين، يعيش المواطنون هناك واقعاً مؤلماً، فبالإضافة إلى مقتل قرابة ربع مليون شخص، وتشرُّد ملايين المواطنين الذين هرب منهم ثمانية ملايين خارج الوطن، ومثلهم لا مكان له وملجأ داخل الوطن، نازحاً يبحث عن مكان يؤويه، كما يعاني أغلب السوريين من شح الغذاء والدواء ومشاكل صحية ومعيشية وإنسانية، معاناة أحاطت وشملت الجميع لا تفرِّق بين طفل وشيخ، وامرأة وشاب الكل يعاني، ومع هذا تركت الأسرة الدولية، وتركز الاهتمام على مواجهة عناصر داعش، وتركت قوات النظام السوري والمليشيات الطائفية المتحالفة معها تعبث وتواصل قتل السوريين إلى حد الإبادة، دون الاهتمام بوضع حدٍ لمعاناة السوريين الذين تخلى عنهم الجميع، فيما تستغل القوى الدولية مأساتهم لتحقيق مصالح إستراتيجية وسياسية على حساب حياة السوريين الذين عليهم الانتظار سنين أخرى حتى يهتم المجتمع الدولي بهم.