جاسر عبد العزيز الجاسر
شهدت مدينة شرم الشيخ تجمعاً سياسياً واقتصادياً جسَّد وإلى حَدٍّ كبير المكانة الدولية لمصر، فالذين حضروا مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري لم يكن حضورهم اقتصادياً بحتاً، إنما كان حضوراً سياسياً بهدف اقتصادي، فقادة الدول من ملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات ووزراء وممثلي المنظمات والهيئات الدولية إنما حضروا لشرم الشيخ لتأييد ومساندة خيار الشعب المصري، وهذا التأييد السياسي الدولي والإقليمي لابد أن يعزز الالتفاف الشعبي ليواصل المصريون الالتزام به تجاه تنفيذ خارطة الطريق لصنع مستقبل مصر. ولذا فإن انعقاد مؤتمر شرم الشيخ، وبهذا الحضور الذي تابعناه، فإنما يظهر تجاوز أكثر المراحل صعوبة لتجسيد أهداف التغيير الإيجابي. ولهذا فقد حاولت الجهات المعادية لمصر والمعارضة للتغيير الإيجابي إفشال عقد المؤتمر بكل السبل، ومنها تكثيف العمليات الإرهابية، إلا أن كل ذلك باء بالفشل، لأن إرادة المصريين صلبة، وأن الداعمين لمصر أظهروا التزاماً ووفاءً لمصر التي تستحق كل ما تم اتخاذه في مؤتمر شرم الشيخ، والذي ترجم ما كان يأمل به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله، ويُعدُّ نجاح المؤتمر أفضل تكريم لذكرى الراحل الكبير. ولقد كان لموقف دول الخليج العربية وفي مقدمتها المملكة ودولة الإمارات العربية ودولة الكويت مثالاً للوفاء بتقديمها اثني عشر مليار دولار موزعة بين ودائع في البنك المركزي واستثمارات ومساعدات.
وقد ظهر من خلال فعاليات المؤتمر وكلمات المتداخلين من السياسيين والاقتصاديين، أن هذا المؤتمر لم يكن مثل باقي المؤتمرات التقليدية التي تستهدف جمع أكبر مبلغ يُقدم للدولة المستهدفة. ولعل من أهم الاختلافات التي شهدها مؤتمر شرم الشيخ، أن المشاركين لن يقتصر دورهم على تقديم الأموال، بل الإسهام في وضع وتنفيذ المشاريع من خلال المشاركة في التنفيذ والتخطيط وإدارة ما يتم الاتفاق عليه من مشاريع والمشاركة في تمويلها. ولهذا فقد سبق المؤتمر العديد من الاجتماعات التي شارك فيها العديد من الخبراء والمستشارين السياسيين والاقتصاديين من داخل مصر وخارجها، وكان لمشاركة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة المباشرة في دراسة وضع الخطط والمشاريع الاقتصادية. وقد أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذه المساهمة بتقديم شكره للدكتور إبراهيم العساف وزير المالية في المملكة والدكتور سلطان الجابر وزير الدولة الإماراتي والخبراء والمستشارين من كلا البلدين، إضافة إلى الخبراء المصريين الذين قاموا بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية وأنظمة الاستثمار، ووضعوا حزمة كبيرة من المشاريع المنتجة جاهزة من خلال اكتمال دراساتها الاقتصادية وجدواها، سواء للمستثمر غير المصري أو المصري من القطاع الخاص، إضافة إلى فوائدها على الشعب المصري من خلال صنعه للعديد من فرص العمل، وتنشيط العمل الاقتصادي، ورفع مستوى النمو في البلاد إلى مستوى يصل إلى 6% في سنواته الأولى.
الاثنا عشر مليار دولار التي قدمتها دول الخليج العربية ستمثل غطاءً نقدياً يحصن المتانة المالية لمصر، وهو ما يشجع المستثمرين الأجانب من غير العرب على الدخول للسوق المصرية والمشاركة مع المصريين والعرب في تنفيذ مشاريع مشتركة ترفع كثيراً من الملاءة الاقتصادية لمصر وتحولها إلى سوق كبير للإنتاج يتوسط الأقاليم العربية والإفريقية والأوروبية.