ناصر الصِرامي
كنت من بين المتابعين الفرحين بدخول أول أمريكي من أصل أفريقي وببشرته السوداء إلى البيت الأبيض، كان الشعور العالمي إيجابياً مبتهجاً بشكل مثالي بالتغير في قمة القوة العالمية، هكذا دخل أوباما التاريخ، ولعل ذلك السبب الوحيد فقط الذي سيجعله يبقى فيه.
كل الملفات تقريباً، خصوصاً تلك الخارجية منها على منصة السياسات الدولية - وهي ما تهمنا حقاً-كل الملفات فاشلة أو متعثرة، من الحرب على الإرهاب، السلام في الشرق الأوسط، وحتى العلاقات العربية مع واشنطن التي لم تكن أبداً في حال جيدة أو ثابتة خلال إدارته.
أخيراً.. ها هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقاتل بشكل ملفت لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، يضع كل الأوراق في مسألة واحدة، من أجل تسجيل هدف في الوقت الضائع، في تاريخه السياسي الممزق.
أقل من أسبوعين تفصلنا الآن عن الموعد النهائي للمفاوضات، وبعد 18 شهراً على بدء المحادثات حول ملف إيران النووي وبعد تخطي استحقاقين سابقين، تسعى مجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا) للتوصل بنهاية مارس الحالي إلى اتفاق سياسي مع إيران يضمن عدم حيازتها القنبلة النووية في المستقبل.
إدارة أوباما تعتقد أنها ستحقق من هذا الاتفاق نصراً سياسياً ودبلوماسياً يلجم الشهوة النووية الإيرانية، ويضع عازلاً بينها وبين مرحلة الوصول إلى التخصيب!
لكن الجمهوريين والمعلقين وبعض من الديمقراطيين، كما الإسرائليين والعرب، يعتقدون أن شيئاً من ذلك لم ولن يتحقق وأن المسألة برمتها مسألة وقت قبل أن ينهار كل شيء، أو تكون طهران بلغت النشوة النووية!
حتى وجود هذا الاتفاق -فرضياً- مع الإدارة الحالية لا يعني أنه قائم للأبد، ما لم يصادق عليه الكونجرس الأمريكي، صحيح أنه يحق للرئيس استخدام سلطته وصلاحياته في حدها الأعلى، لكن أيضاً للرئيس التالي الحق نفسه، في فضاء قانوني دقيق. فقد بعث 47 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ برسالة لإيران، حذروا فيها من أن أي اتفاق يتم التوصل إليه قد يلغيه الرئيس المقبل للولايات المتحدة..!
لنا أن نلاحظ التحذيرات التي وجهت إلى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، من أن القانون الذي يشترط موافقة الكونغرس على أي اتفاق يتم التوصل إليه مع إيران بشأن قدراتها النووية قد يكون له «تأثير سلبي عميق» على المفاوضات.
التحذير هو تأكيد على التوتر المتزايد بين البيت الأبيض والجمهوريين في الكونغرس بشأن المفاوضات، حيث يقول الجمهوريون إن رفع العقوبات عن إيران قد يمكنها من صنع سلاح نووي، واقترحوا قانوناً يشترط موافقة الكونغرس على أي اتفاق.
وقال البيت الأبيض من قبل إن الرئيس باراك أوباما سيستخدم حق النقض (الفيتو) ضد القانون المقترح.
لكن في النهاية لدى الكونغرس سلطة أرفع قانونياً، لذا تحاول إدارة أوباما إقناع الجمهوريين بأن أي قانون يشترط موافقة الكونجرس على الاتفاق قد يضر بالمحادثات.
هذا الملف قد يكون آخر معارك أوباما الخاسرة، فالبيت الأبيض يعترف الآن أن إصرار الكونجرس على قانون يشترط موافقته على الاتفاق يؤثر سلباً بشكل عميق على المفاوضات الجارية حيث يشجع المتشددين، ويؤدي لرد سلبي معاكس من المجالس الإيرانية، واختلاف الموقف الأمريكي عن مواقف الحلفاء يشكك في قدرة الإدارة الحالية على التفاوض.
الخيار التالي أمام أوباما حتى لا يضيف لخسائره المزيد، أن يجعل الاتفاق برعاية أممية عبر مجلس الأمن الدولي، لكن خطوة مثل هذه ستؤدي إلى احتقان من نوع آخر أمريكي-أمريكي، وفي خطاب أرسل للرئيس الأميركي، باراك أوباما، حذر السيناتور الجمهوري، بوب كروكر، من أن أي خطوة تتخذها الإدارة الأميركية لتجاوز الكونغرس وإحالة اتفاق مع إيران إلى مجلس الأمن الدولي مباشرة سيعد «إهانة مباشرة للشعب الأميركي».