ناصر الصِرامي
التطورات على المستوى الإقليمي والدولي، تطورات الوسائل والأدوات والتقنيات، انفتاح عقلية الجيل الجديد وطريقة رؤيته للعالم.. تقارب العالم وتداخله بشكل كبير للغاية، طغيان لغة المنافسة على المصالح المشتركة، سهولة الاتصال والتنقل والحركة والتحديات الأمنية، تحولات وفوضى العالم الراهنة، والكثير مما يحدث حولنا يفرض الآن لغة ونمطا وأسلوباً جديداً للتفكير والتعاطي مع المستجد والمتطور وتوظيف كل الوسائل المختلفة الإعلامية والمعلوماتية لتحقيق المزيد من الاستقرار والرفاه والانفتاح والصدق الاجتماعي ما أمكن.
طبعا لا يمكن لنا تخيل أي محاولة للتوضيح والتصحيح والتأثير دون أن يكون الإعلام طرف -أداة- رئيسية لا يمكن استثناؤها.
وسائل الإعلام العربي وخلال ثلاثة عقود استطاعت أن تطور قابلياتها للاستفادة من بعض المساحات والفرص، فنشأ إعلام جديد حينها أو موجة كاسحة، تمثلت بالقنوات الفضائية العربية والصحف والمجلات الإلكترونية والمواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت.
لتبرزت فضائيات عربية وسعت هامش الحرية والتعددية، وامتد نطاق تأثيرها إلى ما وراء الحدود المحلية وحتى الإقليمية، متيحة خطاب إعلامي متفوق على الإعلام الرسمي، مع وجود تجاذب مستمر، ومنافسة متواصلة لاستلام المبادرة في المجال الإعلامي بين الخاص والحكومي وشبه الحكومي. وأبعدت وسائل الإعلام الغربية، لتكون هي مصدرا وناقلا للخبر، ليصبح الإعلام العربي ولأول مرة في دائرة الاهتمام العالمي.
إلا أن الذين يجدون في الإعلام العربي العابر لمحيطه المحلي - وخصوصاً الفضائيات وأخبارها - دوراً وتأثيرا مختلفا عن أهوائهم لا بد وأن يصعب على فهمهم الضيق استيعاب حجم المناورات، والصناعة خارج السياق النمطي لآلية خطابهم القائمة على الحفظ والخطابة -المنبرية-، والذين يقللون من أهمية تلك الوسائل ويرون أنها ليست إلا ظاهرة صوتية وتعمل على تكريس ثقافة التحريض والتفكير المسطح، يخطئون جدا في التقييم والتقدير والفهم لدور العناصر المساعدة على أي عملية تغيير اجتماعي موسعة أيضاً.
يجد البعض أن قنوات الإعلام العربي -تحتاج إلى خطاب إعلامي مختلف يعبر عن قيم المستقبلين له ومصالحهم وقضاياهم. وهذا جدل طبيعي ومستمر في دهاليز الأكاديميين والباحثين حول فعالية الإعلام ودوره، لكنه لا يجرم أو يحظر أو يحرم وسيلة إعلامية بعينها، لكنه حديث أشمل عن صناعة كبرى لها عواملها وآلياتها وبرمجياتها.
لكن هذا لا ينفصل تماما عن واقع عربي واجه فيه كتّاب ووسائل، هجوما مستمراً من قِبل تيارات التطرف، وبالذات التيارات التي اعتادت على خطاب من جانب واحد، وخط واحد، وحزب واحد. وهو ما أدى إلى فقد صحفيين عرب لحياتهم في مناطق النزاعات الساخنة في سبيل المهنة.
أو بشكل أقل في مناطق الاحتقان الايدلوجي عبر التضييق والتشويه، ونشر الشائعات، والتجريم، وحتى التكفير، وصولاً إلى الاعتداء.
تنظيم «داعش» - النموذج النهائي للفكر المتطرّف - سبق وأن وضع قواعد للصحافيين في المناطق الخاضعة تحت سيطرته، وانتقل التنظيم إلى مرحلة إعدام الصحفيين العرب العاملين في المناطق التي يسيطر عليها، وبدأ بتطبيق العقوبات ضد المخالفين للشروط والقواعد الجديدة التي وضعها.
وكذلك يفعل المتطرفون دائماً مع الإعلام - مع اختلاف مستويات التهديد والترهيب، ستجد من ظهور تنظيم القاعدة أنّ الإعلاميين -الإعلام- كانوا دائماً من قوائم المستهدفين للتصفية، وستجد اليوم الكثير من الإعلاميين والكتّاب من بين من وصلتهم تهديدات داعش، ومن تتواصل معهم مضايقات الحزبيين والحركيين، لدرجة استغلال أي منبر- للتهجم على الإعلام ووسائله.
لدى البعض لازال الإعلام هاجسا ووهما وعدوا، لكنهم لا يترددون في استغلال أي وسيلة إعلامية للبلوغ للغاية، والتواجد فيها تحت غطاء أو قناة، لكن ذلك لا يعني إلا ثقافة وصولية بحتة، فالهدف النهائي تأسيس إعلام على طريقة التنظيم «الداعشي» الذي أطلق الخميس الماضي موقعاً للتواصل سماها «خلافة بوك»..!