محمد بن فهد العمران
في أي تنظيم للأسواق المالية حول العالم، يكون هناك فصل تام بين الجهة المسؤولة عن التنظيم و الرقابة على الأسواق المالية و الجهة المسؤولة عن إدارة كل سوق من الأسواق المالية المختلفة و بالتالي يكون هناك مجموعة من الأسواق المالية تعمل جنباً إلى جنب تحت مظلة هيئة تنظيمية و رقابية واحدة، و ذلك لتشجيع المنافسة و تنويع المنتجات الإستثمارية و تلبية الرغبات المتباينة للمستثمرين و الأهم جذب الإستثمارات المحلية و الأجنبية بهدف زيادة إيرادات و أرباح الأسوق المالية أو الجهة المسؤولة عن تنظيمها و الرقابة عليها.
فمثلاً، نجد أن هيئة تبادل الأوراق المالية الأمريكية SEC هي الجهة المسؤولة عن التنظيم و الرقابة على نحو 14 سوق مالية للأسهم و المشتقات المالية و السلع داخل الولايات المتحدة و هذا التنظيم ينطبق على بقية الأسواق المالية الدولية، و في المملكة نجد أن هيئة السوق المالية نجحت في فصل شركة السوق المالية (تداول) عنها كجهة مستقلة تابعة لها من المنظور التنظيمي و الرقابي، إلا أن المشكلة الأساسية تتمثل في أننا نتحدث عن وجود سوق مالية واحدة فقط دون أي منافسة أو تنويع في المنتجات الإستثمارية بحسب رغبات و أهداف المستثمرين داخل المملكة.
في عام 2006م و كما يعلم الجميع، أعلن معالي وزير المالية عن نية المملكة في إنشاء سوق للسلع الإستراتيجية في مدينة الرياض تشمل النفط و القمح و السكر و المعادن حيث تم التوقيع حينها على مذكرة تفاهم بين المؤسسة العامة للتقاعد و مصرف الإنماء لدراسة إنشاء هذه السوق التي تم الإتفاق على أن يكون مقرها الرئيسي في مركز الملك عبدالله المالي، لكننا مع الأسف الشديد لم نسمع حتى الآن عن أي تطور لهذه السوق الواعدة حتى أصبح هذا الموضوع في طي النسيان لنحو تسعة أعوام، و هو بالتأكيد أمر محبط لمن يتحدث عن فكرة تطوير الأسواق المالية في المملكة أو تنويعها!!
في نفس السياق، هناك خطأ فادح يجب التنبه له و هو أن نظام السوق المالية يعرف السوق المالية على أنها شركة السوق المالية السعودية (تداول) فقط، مما يعني أن المشرع لم يفسح المجال لإنشاء أسواق مالية أخرى إلى جانب السوق المالية (تداول) و هذا قصور منه في فهم هيكلة و تنظيم الأسواق المالية حول العالم، و حتى يتم تصحيح هذا الخطأ فإننا نحتاج إلى تعديل النظام و هذا يتطلب الدخول في دورة معقدة من الإجراءات البيروقراطية التي تستهلك وقتاً و جهداً كبيراً مع هيئة الخبراء و مجلس الشورى (و ربما جهات حكومية أخرى) للحصول على موافقة مجلس الوزراء الموقر على التعديل.
ختاماً، ثمة مشكلة أخرى تلوح في الأفق و هي أن شركة السوق المالية (تداول) ستحاول جاهدة أن تكون هي الجهة المسؤولة عن تأسيس و إدارة أي سوق مالية في المملكة مستقبلاً و إلا فإنها ربما ستسعى لعرقلة إنشاء أي سوق مالية أخرى منافسة لها، و إن حصل هذا فعلاً فسيكون أمراً مضحكاً لأسباب عديدة من بينها أن هذا التصرف سيشكل مخالفة صريحة لنظام المنافسة في المملكة و سيشكل تعارض للنماذج التنظيمية المطبقة في الأسواق المالية المتقدمة حول العالم، و أرجو أن أكون مخطئاً في هذه الجزئية و على العموم فالأيام بيننا على أي حال.