عبد الرحمن بن محمد السدحان
(2)
- استأنف اليوم من حيث انتهيتُ في حديث الأسبوع الماضي وتحت العنوان نفسه، وقد شعرت وكأن كلَّاً منا، الصحفي وأنا، قد أعيا الآخر، كراً وفراً، وأن حلم الصحفي قد فاق حده، وانتهز فرصة صمتي ليعلق على حديثي قائلاً: (إذن أفهم منك أنه لا جدوى من الحديث معك حول موضوع الإشاعة).. فقلت (وأنا أغالب ابتسامة تنبئ عن شعور بالفرج)! ذاك هو عينُ الصواب، وهو نفسُ ما بدأت به حديثي معك هذا المساء! وعاجلني هو بجملة وداع منهياً بها اتصاله الهاتفي، وعدت إلى ما كنت في شأنه!
* * *
وبعد..،
- فهناك أمور عدة يمكن استنباطها من هذا الحوار الافتراضي، أهمها ما يلي:
أولاً:
- أن (مواجهة) كهذه بين صحفي ومسئول ليس أمراً غير مألوف، لكل منهما، وتظهر البراعة في القدرة على الخروج من (حلبة) النقاش بنتيجة (لا غالب ولا مغلوب)!
* * *
ثانياً:
- إن لكل من الصحفي والمسئول عذرَه المكيفَ لموقفه، فالصحفي بطبعه زاده الفضول وغايته العثور على (نبأ) يضاعف به حسناته لدى هيئة التحرير، خاصة إذا اقترنت المحاولة بحافز مادي، والمسئول بطبعة غيور على اسمه ومنصبه وسمعة الجهة التي ينتمي إليها، فليس إذن من مصلحته إن يُنسَبَ إليه (نبأ) لفظته أمواج الإشاعة غثاءً، ولم يتجاوزْها إلى بر اليقين!
* * *
ثالثاً :
- أن هناك أمراً غائباً في منظومة العمل الصحفي، نتذكره دائماً في مواقف كهذه، وهو أن المهنة الصحفية لا تكمن في القدرة على تكوين (جملة إنشائية) ولكنها مزيج عجيب من الثقافة والمخزون المعلوماتي والعمل الجاد، ثم العقلانية في تقدير الأمور، والكياسة في صنع المواقف والتعامل معها.
* * *
رابعاً:
- أن الصحفي الذي يعتقد أنه يستطيع توظيف (مهارته الإنشائية) في انتزاع (نبأ) لا يؤيده صواب، إنسان غير سويّ، وهو بذلك يُؤْذى نفسه قبل غيره، مسئولاً كان أو عابرَ سبيل.
* * *
خامساً وأخيراً:
- تأتي بعد ذلك مسئولية (التحرير) في المطبوعة نفسها، وهي التأكد من قدرة (مراسليها) على ممارسة العمل الصحفي بالمقومات الفكرية والثقافية والدقة المعلوماتية التي تمليها بديهيات المهنة وأخلاقياتها.
* * *
قبل الوداع:
- هناك سؤالٌ أثيرٌ على نفسي يشتبك من خلال الشأن الشخصي بالشأن العام، همّاً وأرقاً!
- فعلى الصعيد الشخصي، لا شيء يؤرقني الآن سوى تكثيفِ الاهتمام بصيانة مكاسبي الصحية في أعقاب الأزمة التي تعرضت لها قبل عامين، وتجاوزتها بنجاح بعون من الله وتوفيقه، ثم بدعاء وسهر المحبين من حولي، وفي مقدمتهم زوجتي -حفظها الله وأدامها.
* * *
- أما على الصعيد العام، فتؤرقني حالة القلق والتمزق التي تعيشها بعض أجزاء الوطن العربي والتجاذب السياسي العنيف المصحوب بانفلات أمنيّ مريع! وأسأل الله رب العرش العظيم أن يديم على هذا البلد الأمين أمنه ورخاءه واستقراره، وأن يجنبه شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يلهم قادتَه الكرام كل ما فيه الخير خدمة لهذا الوطن شعباً وكياناً!
* * *
- حقاً.. إنه زمن أغبر هذا الذي تعيشه أمتنا العربية، بدأت (بمسرحيات) دامية سميت ظلماً (الربيع العربي) ولا أعلم حتى هذه اللحظة لِمَ (أقحم) (الربيع) أحد أجمل فصول العام، إن لم يكن أجملهَا أطلاقاً، لكنها معادلة الشقاء التي رُزِئَ بها وطننا العربي، بدءاً بسخريات (الربيع العربي) وانتهاءً بـ(داعش) التي يحشد العالم الآن قواه لدحرها ووأدها في مهدها، وما ذلك على الله بعسير!