عبد الرحمن بن محمد السدحان
(1)
* اعتدت ألا استجيب لنداء هاتفي من مجهول، ردعاً للإحراج أو التعرض لسؤال قد لا استطيع الرد عليه أو لا أريد، لأمور أقدرها تقديراً، ورغم ذلك، لم أنْجُ مراراً من (مطبّ) كهذا، تارةً أوفق في التخلص بهدوء من السائل وسؤاله، وأخرى يتحول الرد عليه إلى (ورطة) كلامية لا فائدة منها ولا قيمة ! لكنني في كل الأحوال، كنت انتهي من الحديث مع (المجهول) أو (انهي) الحديث معه بشيء من (دبلوماسية) الكلام، الذي لا يغني السائل عما سأل، ولا يعرضني لحرج أنا في غنىً عنه.
***
* مارست الحذر من ذلك الموقف زمناً طويلاً، ومازلت، وكانت النصيحة التي لا تبارحني دوماً هي أنه خير (وسيلة) للرد على الهاتف هي (عدم الرد)، وفي ذلك منجاة للسائل والمسئول!
***
* وذات يوم، كنت مستغرقاً في القراءة، حين قرع سمعي جرس هاتفي النقال، ودون تردد، قررت الرد، وجاء صوت محدثي من الطرف الآخر يقول دون مقدمات:
***
* أهلاً.. أنا (فلان) أعمل مراسلاً لصحيفة (...) وأريد منك تصريحاً عن (....) وسمى موضوعاً لم يكن لي به علم، فقلت له بنبرة هادئة: (لا علم لي بما ذكرت حتى انبئك بما لم تعلم)، فرد قائلاً: (لكني لم آتك، إلا بعد أن تلقفت أذناي (الإشاعة) مراراً عما سألتك عنه، وأحسب أن للإشاعة نصيباً من يقين وإلا ما كنت سألتك أصلاً).
***
* فقلت بنبرة جادة:
(تظل الإشاعة أيها السائل الكريم نبأ بلا يقين حتى يُقْهرَ بالباطل، أو يَظهرَ باليقين) ! ) قلت ذلك وأنا أتمنى أن ينتهي الحديث بيننا عند هذا الحد، وأعود إلى شأني. لكنه كرر السؤال في نبرة ملؤها الاصرار قائلاً :(لمْ اهاتفك يا أستاذ لتسردَ على سمعي درساً في الإشاعة واليقين، كل ما أريده منك هو نفيُ الإشاعة التي اسمعتُك إياها أو اثباتها)!
***
* فقلت له وأنا احاول الاحتفاظ بما بقي لي من هدوء: (كيف تريدني أن اثبت لك ما لا علم لي به أصلاً ؟! فقاطعني قائلاً كمن أدرك غايته: (حسناً، إذن، سأطرح في صحيفتي غداً نبأ منسوباً إليك يقول: (فلان يصرح بأنه لا صحة لما أشيع عن أمر كذا.. وكذا ..)! فقلت له، وقد علا صوتي وقست نبرتي: (لماذا تصر يا أخي على اقحامي في معادلة فضولك الصحفي، أنا لم أقل شيئاً ترويه عني، لا نفياً ولا إثباتاً، كل ما قلته عبر الدقائق الماضية هو أنني لا أملك ما أشبع به فضولك.. وكفى !!)
***
* ولم أشأْ أن امنحه فرصة المقاطعة، فأضفت قائلاً:
(إنني لا أفهم سلوك (بعضكم) معشرَ الصحفيين، إذا لم تعثروا على نبأ، ترفعون به هاماتكم في (بلاط) التحرير، أنشأتم نبأ من بنات ظنكم، وألبستموه (ثوب) الاشاعة، ترهقون به سمع مسئول، فإن هو أنكر الاشاعة صغتم على لسانه نبأ ينفيها، وأن تأوّل حولها نسبتم إليه ما يوحى باليقين في صحتها، والبعض الآخر منكم قد يتلقف نبأ هو في أصله صحيح، منشأ ومضموناً، لكنه لا يحسن صياغةَ النبأ، فيخرج على الملأ في اليوم التالي مشوّهاً أو مبتوراً، ويكون المسئولُ مصدرُ النبأ في موقف لا يحسد أو يحمد عليه)!
***
(وللحديث خاتمة)