نجيب الخنيزي
على مدى السنوات الماضية كنت شديد الحرص على زيارة معرض الرياض الدولي للكتاب، من أجل الاطلاع على أحدث الإصدارات العربية والعالمية في شتى صنوف المعرفة والأدب، وشراء ما يتفق مع اهتماماتي المعرفية والثقافية وميولي الأدبية.
من خلال التجربة والمقارنة مع معارض الكتاب التي حضرتها على الصعيدين الخليجي والعربي، فإن معرض الرياض للكتاب وخصوصاً في السنوات الأخيرة، أخذ يكتسب مكانة معتبرة ومتميزة بين تلك المعارض، سواء من حيث سعة المشاركة من قبل دور النشر السعودية والعربية، وكم العناوين المعروضة، أو من حيث عدد زواره (أكثر من مليون زائر)، والأمر ذاته ينطبق على حجم المبيعات، وقد اكد لي ذلك شخصياً بعض مسؤولي دور النشر المشاركة الذين تحدثت إليهم، حيث أوضحوا بأنهم ينتظرون موعد المعرض السنوي على أحر من الجمر، حيث يفوق ما يجنونه من عوائد مالية عن عدة معارض عربية مجتمعة، لذلك هم حريصون على أن تتزامن إصداراتهم الجديدة مع موعد المعرض نظراً لتعطش زوار المعرض وخصوصاً السعوديين لكل جديد، كما يشيدون برحابة صدر وزارة الثقافة والإعلام في إفساح غالبية العناوين المعروضة (باستثناء التي تتعارض بشكل مباشر مع الثوابت المتعارف عليها)، وبشكل يصفونه بأنه يفوق المعارض العربية الأخرى.
إلى جانب المعروض من الكتب، هناك النشاطات والندوات الثقافية والفكرية والنقدية والأدبية المصاحبة بمشاركة من قبل المثقفين والمفكرين والأدباء السعوديين والعرب والأجانب ومن الجنسين على حد سواء، وقد كان ضمن المشاركين في هذا معرض هذا العام وزيرة الثقافة في جنوب أفريقيا.
معرض الرياض الدولي للكتاب الذي كان في بداياته محصوراً بين ردهات جامعة الملك سعود، ومحدوداً من حيث الحجم ومشاركة دور النشر أو الفعاليات والندوات الثقافية المرافقة، أصبح بحق صرحاً ثقافياً وحضارياً مميزاً على الصعيدين الوطني والعربي، حيث تتلاقح وتتجادل الأفكار والثقافات على تنوعها، واختلاف مشاربها ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وذلك بهدف ترسيخ فكرة التسامح والقبول بالآخر والحق في الاختلاف والمغايرة.
من جانب آخر يتيح معرض الكتاب فرصة ثمينة نادراً ما تتكرر للقاءات حميمة بين المثقفين والأصدقاء من مختلف أرجاء الوطن الحبيب.
على الصعيد الشخصي كنت في قمة السعادة بصحبة جميع أفراد عائلتي الصغيرة وأحفادي، اللذين جاءوا خصيصاً لحضور توقيع كتابي الأول «المعنون» الفكر الديني وقضايا المجتمع المدني، وهو أمر لا يتكرر كثيراً، ما عدا مناسبات الأعياد والأفراح أو الأتراح، بحكم انقسام تواجد العائلة ما بين الرياض والمنطقة الشرقية.
على غرار السنوات الماضية كانت ردهات المعرض تعج بالرواد من الجنسين ومن مختلف الأعمار، وخصوصاً من الفئة العمرية الشابة، وهو أمر له دلالته ورمزيته، خصوصاً مع شيوع الثقافة الاستهلاكية/ الهجينة من جهة، وتصدر الخطاب الأحادي الإقصائي المتطرف في العديد من المواقع والمنابر من جهة أخرة، وقد كان مبهجاً مشهد الأطفال الرائعين بقناعهم الساطع البياض وهم يحملون لوحات إرشادية تحث على القراءة واقتناء الكتاب.
ما أحوجنا إلى ترسيخ مفاهيم العقلانية والتعددية، والحرية الثقافية والفكرية، والتسامح مع الآخر المختلف في جميع مناحي حياتنا الشخصية والاجتماعية، والذي من شأنه تعزيز الوحدة الوطنية والمجتمعية، وهو ما يتطلب بالدرجة الأولى، وقبل كل شيء تطوير وتحديث المنظومة التعليمية / التربوية، والخطاب الإعلامي، كما ينسحب على دور العائلة ومختلف المناشط الثقافية والدعوية الرسمية والأهلية، وبما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما يستدعي تفعيل وسرعة إصدار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي أقره مجلس الشورى في ديسمبر 2008.
بطبيعة الحال ما ذكرته لا يقلل من قيمة جهود وزارة الثقافة والإعلام ومثابرتها في احتضان ودعم معرض الرياض الدولي للكتاب الذي أصبح بحق علامة ثقافية وحضارية مميزة، وكذلك غيره من المناشط الثقافية، على غرار الأندية الأدبية والجمعية السعودية للثقافة والفنون، غير أن المسؤولية شاملة ومشتركة تخص الجميع.