جاسر عبد العزيز الجاسر
لا بد أن الذين تابعوا زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والحفاوة التي استقبل بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قد لاحظوا مدى الاهتمام السعودي بالرئيس المصري، والذي يؤكد متانة العلاقة السعودية المصرية، وأن هناك اجتهادات خاطئة راجت عن تراخي هذه العلاقات وأن المواقف السعودية تجاه القيادة في مصر خفت بعد وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
طبعاً ما شاهدناه أمس يدحض كل تلك الاجتهادات التي تناوله للأسف بعض ممن يوصفون بأنهم محللون سياسيون، وللأسف جميعهم من جهة واحدة، فكل تلك الآراء خرجت ممن يصفونهم بالمحللين السياسيين من المحطات الفضائية الخاصة وهم ممن عرفوا بـ(سطحية) الآراء وتعجلهم بإطلاق المواقف ضمن نهج عرف عنهم بسعيهم للتواجد في المشهد الإعلامي حتى على حساب المهنية والحرفية، والأكثر من ذلك المصلحة العربية العليا، والمصرية بالذات. لا نريد ذكر أسماء فالمتلقي العربي والمصري بالذات يعرف هؤلاء (المتعجلين) والذين يحاولون لفت الانتباه لهم حتى في ارتداء ملابسهم.
فات على هذه الفئة التي لا تمتلك مخزوناً من الفهم الاستراتيجي، أن العلاقة بين مصر والسعودية لا تخضع لحسابات وقتية أو تغيرات في مراكز القيادة في إحدى الدولتين، وهي تغيرات تحمل الاستمرارية والثبات، وبالتحديد فإن وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى قيادة المملكة هو أمر متوقع ومحسوم وأن سياسة المملكة ثابتة وتراكمية، بمعنى أن ملك المملكة الجديد يضيف ويعزز مواقف المملكة السياسية والاستراتيجية التي بمجملها مواقف مبدئية وثابتة، ولم تتخذ نتيجة مواقف انفعالية ووقتية، وإنما بنيت على قواعد راسخة سارت على قيادات المملكة منذ إنشائها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، والذي كان حريصاً على تأسيس علاقة راسخة وإستراتيجية ومبدئية مع مصر بالذات، وقد تأكدت النظرة المستقبلية للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن في ضرورة إبقاء العلاقات السعودية المصرية متينة وقوية، وهو ما التزمت به كل القيادات السعودية، وإن شهدت هذه العلاقات تدهوراً في فترة قصيرة، فأسبابها معروفة وهي بالتأكيد ليست من صنع السعودية.
الآن لا مجال لترف ولا لاجتهاد المحللين الذين يستعرضون توقعاتهم البعيدة عن البعد الإستراتيجي، فقد أثبتت الأحداث أن لا غنى لمصر عن السعودية لمساعدتها في تجاوز ما يقوم به أعداء العرب والمسلمين لتدمير ومحاصرة مصر ليقينهم بأن قوة مصر هي قوة العرب، كما أنه لا غنى للسعودية عن مصر، ذلك أن المملكة هي الأخرى مستهدفة كاستهداف مصر، وإن أجلت المواجهة مع السعودية فإنها ليست بغافلة عن القيادة السعودية التي تعي حجم الأخطار التي تحيط بوطن القارة وقبلة المسلمين ومهد العرب، والقيادة السعودية كما القيادة المصرية تعيان تماماً ومدركتان تماماً لهذه الأخطار سواء الموجهة لمصر أو السعودية وهدفها تدمير القوة العربية والإسلامية، ولهذا فلا خيار لهما إلا التعاضد والتعاون معاً لردء هذه الأخطار والتغلب عليها.
خيار لم تمله طبيعة المرحلة بل يعززه توجه يستمد من تاريخ طويل من العلاقات الجيدة والمصالح العربية والإسلامية العليا، والنظرة العميقة والاستراتيجية للقيادتين السعودية والمصرية، وقبل ذلك نواياهما الطيبة، كل بلد تجاه الآخر.