جاسر عبد العزيز الجاسر
لم يعد شيء فوق الأرض بعيداً عن تخريب تنظيم (فاحش)، فهؤلاء الإرهابيون المجرمون لم يكتفوا بإعادة جرائم عافتها البشرية، كالذبح وقطع الرقاب وحرق البشر، إضافة إلى استعباد النساء وسبي الفتيات واغتصابهن، فاتجهوا إلى تدمير التراث الإنساني، وحرموا البشرية من تراث حضاري يتميز به شمال العراق، ورثه العراقيون قبل الميلاد بقرنين.
فالدارس للعراق يعلم أن شمال العراق حظي بحضارة عظيمة أقامها الآشوريون، وقد جمع الأثريون أعمال هؤلاء مؤسسي الحضارة الآشورية في متحف تاريخي كبير ومهم ضمَّ آثار الآشوريين، هذا المتحف الذي يحوي كنزاً أثرياً وحضارياً لا يُقدَّر بثمن، ولا يخص العراقيين وحدهم ولا الآشوريين الذين يتعرضون للخطف والسبي والتشريد على يد (فاحش)، بل يهم البشرية جمعاء. وعذر «فاحش» زعمهم بأن الآثار والمقتنيات الأثرية التي يضمها متحف الموصل الذي دمره (الفاحشيون) أنها أصنام، ومع أن الجميع يعلم، أهل الموصل وجميع العراقيين، وكل مسلم، يعلم علم اليقين أنه لا أحد في هذا العصر يعبد الأصنام، وإنما تؤرخ لفترة تاريخية من تاريخ البشرية، فقد أظهرت اللقطات التلفزيونية التي صاحبت الهجمة الإجرامية لعناصر «فاحش» تدميراً لتماثيل ومقتنيات أثرية تعود لحضارات وادي الرافدين، منها الثور الآشوري المجنح، والذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع قبل الميلاد، وتدمير ثور مجنح آخر موجود في بوابة تركال الأثرية في مدينة الموصل.
وجريمة تدمير الآثار الآشورية في مدينة الموصل ليست الأولى لهؤلاء الفواحش، فهم يحملون في داخل أنفسهم عداءً للتراث الإنساني أياً كان مصدره، والمقصود ليس استهداف الآثار الآشورية، فقد سبق لهذا التنظيم الإجرامي أن أقدم على تحطيم تمثال للخليفة العباسي هارون الرشيد في الرقة في سورية، وهذا التمثال ظل مئات السنين في مدينة إسلامية، فهل كان يُعبد كصنم..؟!!
هؤلاء المجرمون يسعون إلى تدمير الأسس الحضارية والفكرية للإنسانية جمعاء، فالجريمة التي تمت يوم الخميس الماضي استهدفت تدمير آثار الحضارتين الآشورية والهلنستية التي يعود تاريخها -كما ذكرنا- إلى قرون قبل ميلاد المسيح، وقد رافقه حرق العديد من الكتب والمخطوطات التراثية.
ومتحف الموصل الذي استهدفه إرهابيو «فاحش» واحد من أهم المتاحف العراقية، ويتكون من ثلاث قاعات، تضم ثروة أثرية للحضارات الآشورية والحضرية، نسبة إلى مدينة حضر التاريخية في شمال العراق والحقبة البارثية.
الهجمة الوحشية لتاريخ نينوى وتدمير التراث التاريخي لثلاث حقب من التاريخ الآشوري والهلنستية والبارثية، وتدمير آثار مدينة الحضر الإسلامية العربية إضافة إجرامية جديدة لهؤلاء المتوحشين الذين يؤكدون مرة جديدة بعدهم عن التحضر وعن القيم الإسلامية الأصيلة.