محمد آل الشيخ
يبدو أن الإرهاب والإرهابيين، وداعش والدواعش، أصبحوا كما كان (التنين) في الأساطير الصينية، إذا قطعت رأسه لتقتله، كما تقول الأسطورة، نبت له رأس آخر، وعاد إلى الحياة من جديد. وفي تقديري أن التعامل مع هذا الوباء، وهؤلاء الموبوءين، لن يجدِ نفعاً ما لم تتخذ الدول العربية مجتمعة إجراءات ردع عسكرية قوية وحازمة على أرض الواقع، طالما أن هناك من الأنظمة الإقليمية، وربما العالمية، من يسعى إلى توظيف هذه المجموعات الهمجية في تصفية الحسابات، أو في استخدامها كجسر لتحقيق مصالحها وطموحاتها الشيطانية في المنطقة. لذلك فاقتراح الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» بإنشاء قوة عسكرية، تابعة للجامعة العربية، لمواجهة هذا الوباء، ومحاصرته، عسكرياً واستخباراتياً، هو في تقديري أفضل الحلول عملياً.
الإرهاب بعد الربيع العربي أصبح له شكلاً وتكتيكاً آخر على الأرض؛ فلم يعرف التاريخ المعاصر ولا القديم تنظيماً قوياً في تغوله وسطوته ونفوذه وتغلغله وقدرته على الحركة والانتشار والتمويه، مثل تنظيم (داعش)؛ وكل المؤشرات تقول إنه سيرث تنظيم (القاعدة) حتماً، الذي مازال العالم منذ الثمانينيات من القرن الماضي وهو يعاني منه ومن شروره، ويعمل على محاصرته وحربه بشتى الطرق، ومع ذلك مازال يعمل بل ويتجذر ويتمدد؛ فما إن يجد في الجسد العالمي نقطة ضعف، أو دولة فاشلة، أو ضعيفة، إلا ويظهر فيها كالورم السرطاني من جديد. كما أن ثمة دولاً وأجهزة استخباراتية يستغلونه كمخلب قط لممارسة الضغوط هنا وهناك لتمرير هذه الأجندة أو تلك؛ ولن ترتدع تلك الأنظمة وأجهزة مخابراتها، عن تمويل هؤلاء (الدواعش)، وأحياناً عن دعمهم سياسياً و (إعلامياً) بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وتمويهية، ما لم توجد (آلية فعلية) على الأرض، ذات أنياب ومخالب عسكرية، ومجهزة بآليات رصد وتتبع استخباراتية، كي تقوم بهذه المهام والمواجهات، بدلاً من الاكتفاء بأساليب الشجب والاستنكار والإدانة التي أصبحت ديدناً متكرراً حينما يقوم هؤلاء الأوباش بعملية إرهابية هنا أو هناك، كذبحهم - مثلاً - للرهائن المختطفين بحد السكين، والتمثيل بهم، أو مثل حرقهم للطيار الأردني، أو قتلهم الأقباط المصريين العاملين في ليبيا لمجرد أنهم أقباط (كفار) كما كانوا يقولون؛ وغنيٌ عن القول إن الشجب والاستنكار لا يعنيهم ولا يكترثون به إلا أن يكترث القصاب بثغاء الشاة وهو يقودها إلى المذبح؛ بل ربما أن هذا الشجب والاستنكار يُشنّفُ أسماعهم، ويطربون له، ويشعرون من خلاله بزهو وفخر ومكانة ومنعة، لأنهم شذاذ آفاق، ومجموعة من المجرمين وقطاع الطرق؛ ومثل هؤلاء لن تردعهم إلا العصا الغليظة، لا الاستنكار والشجب والإدانة وشتى أنواع العويل.
ولدينا في الخليج آلية مماثلة للآلية المقترحة هنا، وهي قوات (درع الجزيرة)، فقد كان لهذه الآلية، وقوتها، وسرعة حركتها وتدخلها، الفضل بعد الله، في محاصرة وتطويق عملاء إيران الإرهابيين في البحرين، عندما اتخذوا من الإرهاب منهجاً، ومن دعم إيران منهلاً ينهلون منه مالياً وسياسياً وإعلامياً، فزعزعوا الأمن في البحرين، وكادت الأمور أن تفرط وتلتحق هذه الدولة الآمنة المطمئنة بالعراق وسوريا وليبيا واليمن وبقية ضحايا الربيع العربي، لولا أن قوة (درع الجزيرة) تدخلت، وساندت السلطات البحرينية، وحاصرت أذناب إيران، وأفشلت مخططاتهم. فلماذا لا نأخذ من تلك التجربة، والنجاح الباهر لتدخل قوات (درع الجزيرة) في البحرين، وتقليم أظافر عملاء إيران الإرهابيين، مثالاً، ونعيد مثل هذه التجربة في البقاع المضطربة من العالم العربي؟
كما أن بالإمكان أن تكون هذه الآلية العسكرية، ذات الصبغة العربية، أحياناً، بمثابة قوات حماية لشرعية الدول من الطامعين في السلطة بقوة السلاح، إذا ما ضعفت الشرعية الحاكمة فيها، كما فعل الحوثيون في اليمن مؤخراً، فلو أن الحوثيين - مثلاً - تهوروا أكثر وهاجموا الرئيس الشرعي في عدن، تتصدى لهم هذه القوة المشتركة، وتحول بينهم وبين القفز إلى السلطة، وفرض الأمر الواقع بقوة السلاح.
إنها أمنية، وأمل، أرجو أن ترى النور قريباً.
إلى اللقاء.