محمد آل الشيخ
لماذا كثير من الفرق والمذاهب الإسلامية قامت وازدهرت وانتشرت حقبة من الزمن ثم تلاشت وانتهت ولم يبق لها وجود إلا في صفحات التاريخ؟
السبب يعود إلى أن البقاء دائماً وأبداً يتطلب عوامل وخصائص على رأسها القدرة على المرونة والتكيف مع متطلبات الزمان والمكان المتغيرة، فإذا ما توفرت هذه الخصائص بقيت هذه الفرق أو المذاهب، وإذا اختفت أو لم تحفل بها فإن التلاشي والفناء هو مآلها ونهايتها الأكيدة. وهذا معنى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، والتي هي إحدى خصائص هذا الدين القيم.
الفكر الداعشي هو فكر سلفي مشوه ومدجن بالثقافة الإخوانية، أو هو بلغة تصنيفية أخرى فكر تطور من الفكر السروري المعروف، الذي أسسه أحد الدعاة الحركيين الإخوانيين (السوريين) في المملكة، وهو فكر أخذ السياسة والتنظيم الحركي الحزبي من (جماعة الإخوان المسلمين)، ومن السلف بعض مقولاتهم وتراثهم، وخلط هذا بذاك، وتجاوز النظرية السياسية المعروفة للسلف، والتي تستند على طاعة ولي الأمر بالمعروف، والابتعاد عن كل ما يثير القلاقل والفتن. ونتج عن هذه الخلطة فكر (تثويري) مسيس ينحى إلى معارضة السلطات الحاكمة المعاصرة، بحجة أنها لا تطبق الشريعة ولا تعنى بالجهاد، لذلك فلا يجب على المسلم السلفي طاعتها بل يجب عليه مناكفتها والعمل بكل السبل على إسقاطها. الفكر السروري في المملكة هو من أنشأ تنظيم (القاعدة) وأمده بالمجاهدين وموله بالأموال؛ وكبار أساطينه ودعاته يتعاطفون ويدعمون القاعدة ومجاهديها أحياناً علناً إذا استطاعوا، وكثيراً في الخفاء إذا تعذر الدعم في العلن. والدواعش هم وليد القاعدة الحديث المتطرف غاية التطرف. ومن أجل أن نسمي الأمور بمسمياتها، فإن كثيراً ممن يُسمون في المملكة بمسمى (الصحويون الحركيون) يتعاطفون مع القاعدة والإرهاب عملياً، ويجدون في العمليات الإرهابية في كل أنحاء المعمورة نموذجاً لكيف تكون ممارسة فريضة (الجهاد) التي غيبتها الأنظمة الحاكمة في العصر الحاضر. ولا خلافات جوهرية فكرياً بين القاعديين والداعشيين؛ إنما الخلافات تنظيمية حزبية بحتة وهامشية تماماً؛ فهم يتفقون على تطبيق الشريعة بحسب مقولات متشددي السلف، ولا يأخذون في الاعتبار أي تغير للزمان والمكان ولا للعصر وظروفه عند ممارسة التطبيق: فكوادر الفرقتين - مثلاً - يجعلون من التغيير بالقوة وبالعنف وإراقة الدماء منهجاً، ولا يحفلون إطلاقاً بالمعطيات الموضوعية، ولا بمعايير القوة والضعف فالمسلم - بحسب أطروحاتهم - دائماً قوي حتى وإن اضطر إلى تفجير نفسه في من اختلف معه؛ والإسلام في أعرافهم دين لا تهمه الحياة الدنيا، ولا إعمارها مادياً، ولا نعيمها، ولا الرفاهية فيها ومقتضياتها، بقدر ما يهتم بتطبيق الشريعة بحسب انتقاءاتهم، وانتظار المسلم الحق الموت، لينال رضا الله وينجو من جهنم ويفوز بالنعيم الدائم.
من هنا يمكن القول إن الفرقتين، القاعدية والداعشية هما فرقتان تدميريتان للحضارة الإنسانية. فالحياة، وسعادة الإنسان فيها، وإعمارها، قضية لا تعنيهم بقدر ما يعتنون بسحق كل من اختلف معهم والتمثيل بجثثهم وتخويف أعدائهم وغرس الرعب بينهم.
وقد عرف تاريخ الإسلام مثل هذه الفرق الهمجية البربرية، من السنة ومذاهبها ومن الشيعة وفرقها أيضاً، وازدهرت فرقهم وانتشرت ردحاً من الزمن، غير أن الزمن، وظروفه، وتوجه الإنسان بجُبلّته نحو السلم الاجتماعي والبعد عن العنف ومقتضياته، كانت سبباً لاندثار هذه الفرق وتلاشيها، رغم أنها كانت في بعض الفترات التاريخية ذات قوة وسطوة وشأن لا يقارع. وهذا حتماً هو مآل الدواعش والقاعديين طال الزمان أو قصر.
إلى اللقاء.