د. عبدالرحمن الشلاش
في التشكيل الوزاري السعودي الأخير برز أكثر من اسم قادم من القطاع الخاص. وكما هو معروف، فإن للقطاع الخاص مواصفات مختلفة عن القطاع الحكومي تماماً؛ فهو قطاع ربحي؛ يركز على استثمار طاقات الموظفين لتحقيق أكبر عوائد ممكنة؛ ما يعني أن استثمار الوقت وتحسين الأداء وقياس الإنتاجية لتقديم أفضل الخدمات في مقدمة أولوياته، على العكس من القطاع الحكومي حيث ضعف الإنتاجية بسبب غياب الأهداف الواضحة، وتطبيق أنظمة عفا عليها الزمن، واضطراب المعايير؛ إذ لا تفريق بين موظف منتِج وموظف غير منتِج، حتى غدت دوائر حكومية تعاني الهدر البشري والمالي، وتغرق في بحور الرتابة والروتين؛ ما يستدعي ضرورة إصلاحها؛ لتتحرك بسرعة توازي أو على الأقل تقارب ما يحدث في القطاع الخاص. فهل يستطيع القادمون من خارج أسوار القطاع الحكومي انتشاله؛ ليكون أكثر قدرة من وضعه الحالي؟
في مقال جميل بعنوان (الدول بين الابتكار أو الاندثار) تحدث رئيس حكومة دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن أسباب تصنيف حكومة الإمارات على أنها الحكومة الأكثر كفاءة عالمياً، وفقاً لما ورد في الكتاب الأخير للتنافسية الدولية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية بسويسرا، وقال: «لا أذيع سرًّا عندما أقول إن السبب الرئيس لتفوُّق أدائنا الحكومي هو أننا لم نتعامل مع مؤسساتنا الحكومية على أنها جهات حكومية، بل على أنها مؤسسات خاصة، تنافس القطاع الخاص، وتعمل بعقليته، وتتبنى أفضل ممارساته، وتقاس أعمالها وخدماتها بمعاييره.. وذهبنا أبعد من ذلك، وبدأنا نقيس سعادة متعاملينا، ونصنف مراكز خدماتنا وفق أنظمة النجوم الفندقية المتعارف عليها عالمياً». وعزا قوة واستمرار الشركات والمؤسسات الحكومية على المدى الطويل إلى حرصها على إطلاق منتجات أفضل؛ لتضمن بقائها في دائرة المنافسة، ولو لم تفعل ذلك فسيأتي من يزيحها من مكانها؛ وهذا يستدعي التفكير والإبداع والابتكار. وقال إن السر في تجدد الحياة وتطوُّر الحضارة وتقدُّم البشرية هو في كلمة واحدة: الابتكار.
وهذا يتطلب العناية بما أسماه بالبنية غير المرئية، كالأبحاث والدراسات والاختراعات، ويتطلب ذلك إعادة التفكير في آليات الصرف، التي يذهب معظمها لما يسمى بالبنية التحتية، وأن التفكير في الميزانيات وكيف تصرف لا يقل أهمية عن الاعتناء بتقديم أفضل الخدمات، وهو الطريق لأي حكومة لا تريد أن تشيخ وتندثر.
وختم مقاله بقوله: «أنا حكومة مبتكرة إذاً أنا حكومة موجودة».
أعود لطرح السؤال الذي بدأت به مقالتي، وبصيغة أخرى اتساقاً مع رؤية الشيخ محمد بن راشد: هل بالإمكان تغيير الآليات المعمول بها حالياً في قطاعاتنا الحكومية، ومنها آليات الصرف؛ لتذهب معظم الميزانيات لما يؤدي في النهاية للابتكار، بصرف الأموال لأغراض التعليم والتدريب والبحث العلمي والتطوير والاختراعات وتبني الأفكار الإبداعية؟
الأمر ليس مستحيلاً، لكنه يحتاج لعمل شاق. فعندما تعمل دوائرنا الحكومية في منظومة واحدة، بتنظيم وتنسيق وأنظمة ولوائح واضحة، ووفقاً لمعايير محددة، إضافة للتخلص من البيروقراطية، والقضاء على البطالة المقنعة، وتحجيم الصرف على الهوامش والكماليات، وتقطيع أوصال الواسطة والمحسوبية، والعناية بالاستقطابات من العقول المؤهلة.. أعتقد أن المشوار لن يطول بنا لنكون في الصفوف الأولى.