د. عبدالواحد الحميد
في كل مرة أزور منطقة من المناطق التي تتميز بخصائص سياحية أو أثارية على امتداد رقعة الوطن يدهشني حجم الفرص الضائعة للاستفادة مما هو موجود في تلك المناطق. ولازلت أرى أن القيد الاجتماعي هو أقسى القيود التي تواجه الاستفادة من الإمكانات السياحية في المملكة، فـ «التابو» الاجتماعي الذي يعرقل السياحة الوطنية ما زال ثقيلاً بالرغم من جهود الهيئة العامة للسياحة والآثار في تذليل العقبات التي تواجه قطاع السياحة والآثار.
ومنذ أسابيع زرت المنطقة التاريخية في جدة عند إقامة المهرجان الذي حضره رئيس الهيئة العامة للآثار والسياحة الأمير سلطان بن سلمان وبعض أعضاء مجلس إدارة الهيئة، وكذلك مهرجان عكاظ في الطائف، وشاهدت مدى تفاعل الناس لحضور المناسبتين وفرحتهم في المشاركة والاستمتاع بفعالياتها، وتمنيت لو أن أفقنا الاجتماعي يتسع للمزيد من التنويع في مكونات هذه الفعاليات. فلو حدث ذلك لتمكنا من الحد من الهدر المالي الذي يحدث بسبب هروب المواطنين السعوديين للبحث عن الترويح السياحي خارج المملكة.
ولا أريد أن يُفهم هذا الحديث بشكل خاطئ، فما أتحدث عنه هنا هو الترويح المقبول في أعرافنا أو ما نسميه بـ «الترويح البريء»، وقد شاهدت منذ حوالي أسبوعين في «سوق واقف» بالدوحة في دولة قطر الشقيقة عائلات سعودية كثيرة مبتهجة تستمتع بفعاليات مهرجان الربيع الذي كان مقاماً هناك. وهذا يتكرر أيضاً في الإمارات والبحرين والكويت وعمان، وهي دول شقيقة تشترك معنا في العادات والتقاليد وقبل ذلك في الدين.
تأتي بعد ذلك الضرورة القصوى في تيسير سبل الاستثمار في القطاع السياحي والآثاري لإقامة المزيد من الفنادق والمنتجعات والوجهات السياحية المتكاملة التي تكون في متناول الشرائح الاجتماعية المختلفة. وتأتي أيضاً ضرورة تطوير المطارات والمرافق المساعِدة على امتداد الطرق البرية الطويلة التي تربط مدن وقرى المملكة، فقد حدثت طفرة من التطوير في بناء الطرق الجيدة في السنوات الأخيرة لكنها تفتقر إلى المرافق الأساسية التي نراها في الدول المتقدمة، مثل المطاعم والموتيلات ودورات المياه، وهو ما تعمل جهات عدة على استكماله حالياً، وفي مقدمتها الهيئة العامة للسياحة والآثار، وكذلك الشؤون البلدية.
إنني أعلم أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تبذل جهوداً كبيرة لتطوير السياحة، وتعظيم الاستفادة من الإمكانات الآثارية في المملكة في بيئة اجتماعية لا تخلو من التوجس من نشاطات هذا القطاع. وأعلم أن الكثير قد تحقق وبعضه في طور التحقق. ومن ذلك استصدار القرار المهم المتمثل في موافقة مجلس الوزراء أخيراً على برنامج إقراض المشاريع الفندقية والسياحية التي تقام في المدن والمحافظات الأقل نمواً أو في الوجهات السياحية الجديدة.
المأمول هو أن نرى في المستقبل غير البعيد نتائج هذا القرار التمويلي، وأن تتكثف جهود القطاع الخاص في استثمار الإمكانات السياحية والآثارية في الجوف ونجران وحائل وعسير والأحساء والباحة والقصيم وتبوك والمحافظات الأقل نمواً في جميع مناطق المملكة، وذلك بعد أن تم تذليل العقبات التمويلية من خلال تقديم القروض اللازمة وفق ما جاء في القرار الأخير الصادر عن مجلس الوزراء. فالحاجة ماسة للمشاريع الإيوائية والترفيهية في تلك المناطق، والعائد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي سيكون كبيراً بلا شك، وسوف ينعكس إيجاباً على اقتصادات ومجتمعات تلك المناطق وعلى الوطن بشكل عام.