يوسف بن محمد العتيق
في أكثر من نص تراثي وحدث تراثي يناقشه الكتاب لمؤلف مبدع أو عمل تراثي كبير نجد أن الدافع وراء هذا العمل أسباب كبيرة هي التي تقف في العلن أمام الناس، وأسباب أخرى لا يعلمها إلا صاحب العمل والقليل حوله، فمثلاً حين يذكر الناس أحمد بن حنبل العلم الكبير في تاريخ المسلمين يتحدثون عن شيوخه وأساتذته، وهذا حق مشروع وكبير، لكن الإمام أحمد نفسه حين يتحدث عما وصل إليه من مكانة كبيرة لا ينسى دور المنزل.
ومثل ذلك الكثير ممن أثروا الحضارة الإنسانية في كل المجالات، لم يكن لهم أن يبدعوا دون أن يكون المنزل فاعلاً ومؤثراً في هذا المبدع.
وهنا يتضح أن للمنزل دوراً كبيراً في صنع المثقف أو المبدع أو الكاتب أو حتى على أقل تقدير القارئ المحب للكتاب والثقافة وإن لم يكن له ذلك الحضور في مجتمعه إلا أن هذا المنزل شارك في صياغة فكره.
ومن باب ذكر تجربة شخصية وإن كانت متواضعة إلا أنها بقيت في نفس كاتب هذه الأسطر منذ عقود ثلاثة سقتها لا للحديث عن النفس بقدر ما أريد أن أبين أن المنزل هو من يصنع الحس الثقافي أكثر من أي مكان آخر سواء كان المدرسة أو الرفقة... أتذكر وكنت حينها طالباً في المرحلة الابتدائية، وفي أول صفوفها، كتبت مقالاً مطولاً في دفتري المدرسي لا أذكر منه الآن سوى الثناء على الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، ورغبت في إرساله للصحافة، فوجدت توبيخاً من البعض إلا أني أختي الكبرى لطيفة - حفظها الله - شجعتني وباركت المقال، مما كان له أكبر الأثر في نفسي حينها، وفي تلك الفترة كانت هذه الأسرة صاحبة الإمكانات المادية المتوسطة كسائر اسر المجتمع حينها زماناً ومكاناً كانت لطيفة موهوبة تتقن الخياطة، ومن مردود الخياطة المادي كنا نستلف منها الفلوس (وطبعا لا نعيدها) لكي نصبح المكتبة مع بزوغ شمس كل أربعاء ونشتري مجلة ماجد، وكانت لطيفة المشجع المادي والمعنوي لنا في أول الخطوات في القراءة.
هذا ما أحفظه أنا لشقيقتي الغالية لطيفة حفظها الله، ومؤكد أن في كل بيت لطيفة، وهذا ما نتمناه في مجتمعنا الكريم.