د. محمد عبدالله العوين
سبق أن طالبت في مقالتين سابقتين في هذه الزاوية بأن تتصدى رابطة العالم الإسلامي لظاهرة التطرف والإرهاب؛ وبخاصة بعد أن تصاعد خطر الجماعات التكفيرية وأصبح يهدد بانهيار دول؛ كما يحدث في سوريا والعراق وليبيا، بعد أن تمدد تنظيم «داعش» كطفرات مرض خبيث في جسد هذه الأمة وأخذ يزرع بذور الشر والفتنة، ويقدم أبشع صورة يمكن أن يرسمها عدو شرس للإسلام والمسلمين.
وعلى الرغم من تباطؤ الرابطة في الاستجابة لضغوط هذه المحنة التي تمر بها الأمة؛ إلا أنها وبتوجيه ورعاية كريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - قررت عقد مؤتمر «الإسلام ومحاربة الإرهاب» في مكة المكرمة خلال ثلاثة أيام من الثالث إلى السادس من جمادى الأولى بحضور حشد كبير من العلماء والمفكرين من العالم الإسلامي كافة.
وقد أبانت الرابطة في بيانها الذي وزعته على وسائل الإعلام الأسباب الداعية إلى عقد هذا المؤتمر الكبير في رحاب أقدس مكان مجملة تلك في الأحداث العاصفة التي تمر المنطقة العربية واستخدام الدين من قبل الجماعات التكفيرية وسيلة لسفك الدماء باسم الجهاد وترويع الآمنين وانتهاك الحرمات وتشريد الشعوب وإهدار الممتلكات وتضييع مصالح الناس.
وحدت الرابطة محاور المؤتمر في ستة بنود تدور في مفهوم الإرهاب وأسبابه ووسائل مقاومته وتجربة المملكة في ذلك ودور وسائل الإعلام في مواجهته.
وقبل أن يبدأ المؤتمر في عقد أولى جلساته غداً؛ أود أن أضع بين يدي معالي أمين الرابطة د. عبد الله التركي واللجنة المنظمة هذه الرؤى:
- تجافى بيان الرابطة المعلن عن مناقشة أباطيل وتخريفات ما يسمى بـ»دولة الخلافة الإسلامية» المعروفة بـ»داعش» وتقديم الدراسات المؤصلة من الباحثين والخبراء عن نشأتها وكيف تكونت والفكر الذي نهضت عليه ومن يقف خلفها داعماً وحامياً، وشروط «الخلافة» وموقف الإسلام الحق من التكفير والخروج على الحكام واستباحة دماء الناس من مسلمين وغيرهم من الديانات الأخرى؛ بحجة الكفر أو الردة.
- إن إطلاق مفهوم «الإرهاب» عائماً دون تحديد سيجعل الرؤى تدور في فضاء مفتوح؛ وكأنها لا تعني جماعة مفسدة بعينها؛ بينما تستوجب الحالة المشتعلة الملتهبة الآن كشف حقيقة ما يحدث من «داعش» وإبانة كذبها وتدليسها على الناس والسعي إلى إفشال خططها الرامية إلى تثوير وتخريب وتفتيت الدول والمجتمعات باسم « الجهاد المدعى وباسم «الخلافة» المكذوب عليها.
آمل أن يمتد النقاش في أية جلسة من جلسات المحاور الست إلى المواجهة الشجاعة لفكر «داعش» المنحرف وكشف عواره وإيضاح ذلك للأمة.
- لقد تم انعقاد مؤتمرات سابقة ولقاءات فكرية عن ظاهرة «الإرهاب» وهي اجتماعات طيبة تنم عن غايات نبيلة لصالح الوطن والأمة؛ بيد أن تلك الجهود أو كثيراً منها ذهب أدراج الرياح ولم يحدث أثراً واضحاً في كبح جماح الفكر الإرهابي؛ لأسباب عدة لا مكان لذكرها الآن، إلا أن ما يؤسف له عدم الأخذ بتطبيق ما تقرر بصورة عملية، ولا نريد لمؤتمر مكة أن يصاغ بيانه أو تدون قرارته ثم تطوى بطي الورق.
إن لم تكن القرارات عملية مقنعة قابلة للتطبيق فستكون إهداراً للجهد وللوقت.
- كما آمل أن يحظى هذا المؤتمر بتغطية إعلامية قوية من وسائل الإعلام كافة، وإن لم يتمكن من حشد أكبر عدد ممكن من الإعلاميين والكتاب والوسائل الإعلامية ونقل ما يحدث في الجلسات ومن ثم إدارة الحوارات عن البيان الختامي؛ فستتشابه جلساته مع أية محاضرة في قاعة جامعية مغلقة.
وتكمن أهمية مؤتمر مكة في أنه لا يمثل موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب فحسب؛ بل يعلن بوضوح موقف العالم الإسلامي كله ممثلاً في علمائه ومفكريه من الجماعات الأيدلوجية المنحرفة وفكرها التكفيري؛ وعلى رأسها «داعش».