بيروت - منير الحافي:
السياسي اللبناني المخضرم توفيق سلطان، يُرجع إليه في موضوع السياسة السعودية في المنطقة ولبنان خصوصاً. الرجل الطرابلسي كان نائباً لكمال جنبلاط يوم كان رئيساً لـ»الحركة الوطنية اللبنانية». عايش كباراً في المملكة من أمثال الملك سلمان بن عبد العزيز والملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، ويتحدث دائماً عن مواقف تاريخية للرجلين الكبيرين. عن الملك سلمان، يقول: إنه «إنسان مطلع ومثقف. هو ليس بحاكم جديد، هو حاكم منذ عقود». ويأمل من أن يقوم الملك شخصياً في مساعدة لبنان في «تقريب وجهات النظر لانتخاب رئيس للجمهورية مقبول من كل الأطراف».
أما عن الملك الراحل عبد الله فيرى أنه أراد «أن تنهض الدولة اللبنانية وعلم جيداً المخاطر المحيطة بلبنان، فقدم له مساعدات غير مسبوقة». توفيق سلطان الذي تصفه الصحافة بـ»صديق الملكيَن» تحدث لـ»الجزيرة»، وفيما يلي نص الحديث:
* بداية.. أنت توصف بـ«صديق الملكَين» الملك عبد الله رحمه الله، والملك سلمان بن عبد العزيز. هنالك من يقول إن السياسة السعودية تجاه لبنان قد تتغير مع الحكم الجديد. ما هو رأيك؟
- حسب معرفتي منذ القدم بسياسة المملكة العربية السعودية، فبغض النظر عن أسماء الملوك الذين تولوا الحكم، سياسة السعودية ثابتة منذ أيام الملك المؤسس عبد العزيز الذي استعان بشخصيات لبنانية متعددة في الحكم. عندهم عطف خاص على لبنان، خاصة وأن الأسرة الحاكمة من جيل الملك سلمان أو من جيل الملك عبدالله أو الملك فيصل أو الملك سعود أو الملك خالد أو الملك فهد، كلهم ترددوا على لبنان ويعرفون لبنان جيداً. ودائماً كانت نظرتهم للبنان أنه بلد مهم لهم، ويرتاحون فيه ويرتاحون لأهله. كما أن لهم علاقات وصداقات عكسوها في مجالات كثيرة. واللبناني يطمئن لهم. من هنا نجد أعداداً كبيرة للمغتربين اللبنانيين في دول الخليج، أغلبهم في المملكة العربية السعودية، وهم استفادوا وأفادوا. يمكن من آخر محطات الوجوه البارزة، هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري وخليفته الآن سعد الحريري أطال الله بعمره. في الفترة الأخيرة، ولن نعود كثيراً بالتاريخ، من المعروف أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان وثيق الصلة بالملك فهد - رحمه الله -، الذي كلفه بداية بمؤتمري جنيف ولوزان (لإيقاف الحرب في لبنان يومها)، وقد ذهب إليهما ضمن وفد لبناني- سعودي. ومن ثم رأى الملك فهد أنه من المفيد ان ينتدب الشهيد الحريري ليكون راعي الأمن والاطمئنان وإعادة الإعمار في لبنان. جاء الشهيد الحريري بداية لإزالة آثار الحرب، وكان دائماً يحاول بين الفرقاء تقريب وجهات النظر.
جاء رفيق الحريري إلى لبنان بدعم من المملكة العربية السعودية فاعطى الأمل والاطمئنان. وجوده دعم الليرة اللبنانية تجاه الدولار. وقام بانجازات عظيمة، إن كان من ناحية التعليم أو إعادة الاعمار أو مؤتمر باريس 1 وباريس 2 وباريس 3. كل ذلك بدعم كبير من المملكة، ليس مادياً فحسب وإنما أيضاً سياسي، فتح له مجالات كبيرة مع العالم أجمع.
وعندما مات الملك فهد حصل قلق في لبنان، من أن القيادة بالمملكة تغيرت. وما إن تسلم الملك عبدالله - رحمه الله- الحكم، رأيناه يأتي إلى لبنان وينام في قصر قريطم. فلم تتغير سياسة الحكومة السعودية تجاه لبنان بل بالعكس تضاعفت الجهود من أجل نصرة لبنان. كذلك من بعد استشهاد الحريري رأينا احتضان الملك عبدالله للرئيس سعد الحريري. الملك عبدالله ركب بسيارة سعد الحريري من قصر بعبدا وجاء إلى بيت الوسط، وكان ذلك نوعاً من التكريم والتأييد لسعد الحريري وإظهار الاحتضان له.
* لنتكلم عن مرحلة الملك عبدالله، المساعدات السعودية للبنان، الدبلوماسية والسياسية والمادية، والهبات التي لا سابق لها في تاريخ العلاقات بين البلدين؟
- الملك عبدالله أراد أن تنهض الدولة اللبنانية. وهو يعلم المخاطر المحيطة بلبنان. والمخاطر الأساسية هي الإرهاب الإسرائيلي والتهديدات الإسرائيلية ومن ثم مخاطر الإرهاب الذي عم الوطن العربي. هذا يقتضي أن يكون لدينا جيش قوي وقوة أمنية فاعلة. في العقل العلمي السعودي، وجد الملك أن لبنان الذي تحمل كثيراً من الحروب والقهر، وبنيته ضعيفة، ويجب دعم جيشه كي ينهض ويكون قوياً، فأعطاه 3 مليارات دولار.
ثم عاد ورأى أن يقرر مساعدات عاجلة للبنان دون الرجوع إلى فرنسا لأن الاتفاق معها يأخذ تنفيذه وقتاً. فحمّل سعد الحريري، مليار دولار أخرى. وهذه الأرقام بالنسبة إلى لبنان أرقام فلكية. هذه العطاءات تعطي راحة. ورأينا كيف قرر مجلس الوزراء مؤخراً زيادة عديد قوى الأمن الداخلي اللبناني، وأيضاً الجيش اللبناني ستتم زيادة عديدة. وهذه العطاءات مستمرة.
* أنت تعرف الملك سلمان منذ مدة طويلة، كيف كان ذلك؟ وماذا تتحدث عن صفاته؟
- معرفتي وثيقة بالملك سلمان تمتد لحوالي 56 سنة. وبقيت على علاقة واتصال بالملك سلمان إلى حين تسلمه الحكم مؤخراً. الملك سلمان إنسان مطلع ومثقف. هو ليس بحاكم جديد، هو حاكم منذ عقود. فقد كان حاكماً لإمارة الرياض وعندما تسلمها تغيرت كثيراً. وكان دائماً شريكاً أساسياً في الحكم وله دور أساسي داخل الأسرة. كان لديه مركز خاص لإدارة شؤون آل سعود.
وما يمكن ذكره عنه بخصوص لبنان، أنه في فترة الرئيس السابق أميل لحود، كان يُنقل كلام غير دقيق عن تغير السياسة السعودية تجاه سياسة الإعمار في لبنان وحكومة رفيق الحريري. في ذلك الوقت قمت بزيارة الملك سلمان، فسألني «شو الأخبار»؟ فقلت له إنه ينقل عن المملكة كلام غير دقيق فيما يتعلق بالحكم في لبنان. فسألني بأي فندق أنت تنزل. قلت له في الفندق الفلاني حيث كان حينها يوجد ملتقى اقتصادي لبناني سعودي، وكان يتواجد رجال أعمال واقتصاديون لبنانيون وسعوديون. جاء الملك سلمان (الأمير يومها) في المساء إلى الفندق واعتلى المنبر وتكلم عن لبنان كما لم يتكلم إنسان أمام هذا المنتدى الواسع. وأثبت كلمة الملك سلمان أن المملكة ترى في رفيق الحريري قامة كبيرة. الملك سلمان كان يتردد على لبنان كثيراً في مطلع شبابه ويعرف لبنان حق المعرفة، وله هنا صداقات كثيرة.
* ماذا تتذكر عن زيارة الملك سلمان إلى لبنان؟
- في بدايات العام ألفين، زار الملك سلمان لبنان وكنا على العشاء مع السفير السعودي في وقتها وجمع له نخبة من رجال الإعلام. ويتردد دائماً ان الملك سلمان انه صديق الصحافة وهو بالفعل كذلك والصحافة اللبنانية.
والإعلام في لبنان كان من أقوى وأفضل الإعلام العربي. إذ حصل في فترة أن الإعلام المصري وتقدم الإعلام اللبناني، خاصة خلال فترة قبل الحرب اللبنانية. كانت الصحف اللبنانية محط أنظار العالم العربي وكانت الصراعات العربية تتم من خلال الإعلام في لبنان وكان دائماً هناك شكوى من الإعلام. وإحدى الإنجازات اللبنانية، أن لبنان بقي محافظاً على حرية الإعلام إذ أي أمر تقيده يسوء وأي شيء تترك له الحرية ينطلق. من هذا الباب كان الملك (الأمير يومها) سلمان على تواصل مع كبار الصحفيين، ويتواصل معهم إلى اليوم.
* اليوم، ماذا تستشرف من الملك سلمان في موضوع لبنان؟
- لبنان يمر بفترة عصيبة. وما مر على لبنان خلال ثلاثة عقود، من الغريب أنه ما زال واقفاً على رجليه، وذلك لاعتبارات متعددة أهمها المساندات الدولية والعربية، وتأتي المملكة في طليعة الواهبين عربياً والداعمين له دولياً. فلذلك مع كل الديون والصعوبات والإرهاب المحيط بلبنان، لا يزال بلدنا في وضع مقبول، ونتأمل أن يتحسن.
وهذا بند أساسي في سياسة المملكة. لم يتركونا. هم شركاؤنا بالتفكير والخروج من المأزق الذي نحن فيه. وأنا الحظ أن بند الحوار ما بين المستقبل وحزب الله، ليس بعيداً عن تفكير وسياسة المملكة لأنها تؤمن بالحوار وطبعاً هي تشجع على ذلك وطبعاً هي عملت جاهدة من أجل تأليف حكومة الرئيس تمام سلام.
وهنا ترى أن سياستها صامتة وسرية. من يقرأ جيداً يرى أن المملكة ليست بعيدة عن هذه الملفات وهذه المواقف.
* يعني برأيك أن الملك سلمان سيساعد في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية؟
- أنا واثق واؤكد أن المملكة ستبذل جهداً جباراً من أجل خروج لبنان من محنته وفي طليعة ذلك، تقريب وجهات النظر من أجل وصول إلى رئيس في لبنان مقبول من كل الأطراف. المملكة لها صداقات في لبنان لكنها لا تتحيز لأحد ولا لحزب معين ولا لطائفة معينة، ولا لمذهب ضد مذهب آخر. فهي تعرف كل الناس.
مثلاً عندما فتحت المملكة أبوابها لكمال جنبلاط في حينه، كان جنبلاط زعيم اليسار، كان يحمل «وسام لينين». أيام حكم الملك فيصل اتيح له أن يستكشف كل المناطق بالمملكة العربية السعودية، وقدم له الأمير سلطان طيارته الخاصة العسكرية، وكنت حينها برفقته. جلنا كل المملكة: من مكة وصولاً إلى تبوك. فالمملكة تقبلت جنبلاط، ولم يكن جنبلاط حينها مع سياسة المملكة. وكانت المملكة متجانسة مع اخصام جنبلاط. يومذاك سعى الملك عبدالله (وكان رئيساً للحرس الوطني) إلى تقريب وجهات النظر بين جنبلاط وقيادة المملكة.
* ماذا ينتظر الملك سلمان من تحديات اليوم؟
- كما قلت لك، الملك سلمان ليس جديداً على الحكم. هذا الأداء الناجح في إمارة الرياض أو بولاية العهد ووزارة الدفاع، حتماً سيستمر ويتطور. وهو اليوم أصبح في سدة المسؤولية الأولى. والسعوديون يحترمون التراتبية كثيراً. اليوم هو رأس الهرم.
وكل ما يقال حول تيارات ومواقع في المملكة هو كلام غير صحيح وتافه. دائماً يظهر كلام كهذا، في فترات وفاة الملك وتسلم غيره في الصحافة الأجنبية، من أن هناك قوى متعارضة مع تلك ضمن الحكم. لكن مع الوقت يكتشفون أن هذا الكلام ليس له قيمة.
كل التحديات التي تعم العالم العربي سيواجهها الملك سلمان لأن المملكة أصبحت تلعب الدور الأساسي في العالم العربي.
لنرى آخر محطة لها، الكلام المنسوب لرئيس مصر عبد الفتاح السيسي. رد الفعل السريع، كان مزيداً من الاحتضان لمصر. هذا هو العقل السعودي النير، لا يتخلى عن أحد، ويعرف ما هي مصلحة العالم العربي والإسلامي ولا يرتهن.