سمر المقرن
إذا أردنا كتابة تاريخ المرأة السعودية، فمن المهم أن نخصص الفصل الأكبر لجمعية النهضة النسائية الخيرية، الذي تزامن تأسيسها مع دخول تعليم البنات في عام 1962م. هذه الجمعية التي قامت منذ تأسيسها على يد ناشطات نذرن أنفسهن لقضايا تمكين المرأة وإدراجها في المجتمع لتكون إنساناً مُنتجاً لا شخص يعيش عالة على الآخرين، وبقيّت الجمعية مع هذه القيادات ونساء حملنّ المسيرة إلى هذا اليوم وهمهنّ نساء هذا الوطن.
جمعية النهضة التي تستمر إلى اليوم لم تبقَ على نفس المنهج الذي قامت عليه، بل تعاملت مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية، لذا نجد كثيرًا من البرامج التي ترفع رايتها بما يتوافق مع المعطيات المحيطة. هناك معلومات قد لا يعرفها الكثير يجب أن تُقال في هذا الصدد، فجمعية النهضة صاحبة الريادة في كثير من المجالات التي نلمسها اليوم، دون أن نعرف بداياتها، فمثلاً تعليم أطفال متلازمة داون بدأ بغرفة صغيرة في جمعية النهضة. ومركز إيواء النساء المعنفات قامت هي نفسها بتشييده منذ التسعينيات أو قبل إن لم تخني الذاكرة، تم تشييد هذه الدار قبل أن يظهر على سطح المجتمع وتبدأ وسائل الإعلام بتناول قضايا العنف، وحتى قبل الاعتراف بالمشكلة الذي لم يحدث إلا في العشر سنوات الأخيرة، فكانت نساء جمعية النهضة على شعور عالي بوجود هذه المشكلة فقمن بتشييد الدار وتقديم الدعم للنساء المعنفات وإيوائهن، هذه الدار لم تعد موجودة اليوم بعد أن أدت رسالتها النبيلة فهناك من يقوم حاليًا بإكمال الرسالة.
تقدم جمعية النهضة في الوقت الحالي برامج جديدة ومختلفة، وتتواءم مع متطلبات المرحلة الحالية، وهذه البرامج الرائعة تحتاج إلى الدعم الكافي لتستمر، من هذه البرامج: التثقيف المنزلي للأم والطفل، وهو يستهدف الأطفال تحت سن الخامسة، بحيث يعمل على تطوير الطفل استعدادًا للالتحاق بالمدرسة، وهذا البرنامج يحاول معالجة النقص جراء عدم وجود عدد كافي من مدارس رياض الأطفال الحكومية، كما أن هناك أسر لا تستطيع بسبب الحالة المادية أن تُلحق أطفالها بروضات خاصة، من هنا أتت هذه الفكرة حتى تتمكن الأم من تعويض طفلها عن الروضة. ومن وجهة نظري فإن هذا الأمر يفتح الأبواب لإعادة النداء بإلزامية التعليم للمرحلة ما قبل الابتدائية، نظرًا لكونها المرحلة التأسيسية لشخصية الطفل.
ما ذكرته هو واحد من مشاريع وبرامج جمعية النهضة النسائية، التي قامت وما زالت على منهج تمكين المرأة حتى لا تعود بحاجة إلى أحد، لذا فإن الفكرة الأساسية للجمعية تذكرني بفلسفة الصيني «كونفوشيوس» صاحب المقولة الشهيرة: (لا تعطه سمكة ولكن علّمه كيف يصطاد). وهذه فلسفة جمعية النهضة مع النساء المحتاجات من خلال تمكينهن اقتصاديًا حتى لا تعود بحاجة إلى الجمعية ولا لغيرها. هذه الفلسفة هي ما جعلت هذا الصرح النسوي قائم بنجاح إلى هذا اليوم، إضافة إلى المهنية والعملية والحراك الدائم والنشط لخدمة المجتمع بشكل خاص والمرأة بشكل عام. هؤلاء النسوة هنّ المستحقات للقب «ناشطات» فهذا هو النشاط النسوي الذي يستحق أن نفخر به.