سمر المقرن
من يخبر دهاليز الكتابة الصحفية، يُدرك أنّ أحد أصعب الأمور على كاتب المقالة الصحفية، يتمثل في تحوير معاني سطوره إلى شيء آخر أو اجتزائها وسحبها من المعنى الأساسي بحذف نص الجملة، من باب لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ ... ، فيضطر الكاتب معها لإيضاح المقال بمقال آخر بعد أن «عبث» بعض الباحثين عن الإثارة بالمعاني!
الأربعاء الماضي كانت مقالتي بعنوان «ساعتان مع سعود الفيصل» وفي الفقرة الأخيرة التي سأوردها نصاً كتبت:
(أول ما يلفت النظر تسامحه، برغم ما يُقال عن شراسته، إلا أن تصالحه مع الجميع يدعو لمعرفة الخارطة الفكرية لهذا الرجل، عندما سألته عن الإخوان المسلمين ومشاكلهم وأطماعهم، أجابني فورًا: «ليس لنا أي مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد» في حقيقة الأمر أقولها بكل صراحة، فبعد المعاناة التي بتنا نعيشها خصوصاً في مرحلة ما بعد الربيع العربي من هذه الجماعة، توقعت أن يكون سعود الفيصل أكثر تشنجاً في التعليق على سؤالي، لكنه بحق دبلوماسي بكل تفاصيل هذه الكلمة التي ليس كل من يحمل صفتها قادراً على أن يحمل أوصافها!).
حملّت بعض الصحف الإلكترونية وغيرها لهذه الجملة معنى آخر تماماً، وربما فرح به بعض الإخونجية أيضاً، على اعتبار أنه تغير في السياسة السعودية، وهذا غير صحيح مطلقاً، ولو كان في هذا شيء من الصحة لما فاتني ككاتبة صحافية، ولكنت ظفرت بهذا السبق الصحفي قبل غيري.
ما كتبته وتحدث عنه الأمير سعود الفيصل شديد الوضوح، فالسعودية ضد «تنظيم» الإخوان المسلمين لما له من أبعاد سياسية وتحريضية خطيرة، ويحمل أجندة معينة وبيعة، والأهم أن الحديث كان عن الأفراد وليس عن الجماعة أو دوائرها، بما فيها من ولاءات خارجية تعمل على تهديد أمن واستقرار الوطن والدول الشقيقة، أما من جهة الفكر بأن يتقاطع فكر شخص مع بعض ما يعتقده الإخوان فهذا أمر يعتبر شأنه الخاص.
من يحمل بعض معتقدات الإخوان كفكر ويحتفظ به لنفسه، فهذا شأن خاص بصاحبه، أما أن يتحول هذا الفكر إلى تنظيم ويحاول أعضاؤه استدراج الآخرين لمعتقدات التنظيم، وفي رقبته بيعة للمرشد «المحبوس»، بما في أفكار ذلك المرشد وزمرته من أجندات باغية تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار الأوطان، فهذا أمر مرفوض من قِبل ولاة الأمر والأمير سعود الفيصل قبل أي أحد آخر، وبالتأكيد فالدولة تتعامل معه بحزم ولا تسمح به وتعامله معاملة التنظيمات المماثلة.
والمملكة إذ تأخذ هذا المبدأ، لأنها دولة لا تحاكم الناس على ما يختلج في داخل نفوسهم، وليست دولة تتعامل مع الناس حسب الظن أولاً، وثانياً لأنها قبلة المسلمين جميعًا وأرض الحرمين الشريفين ولا يمكن أن تمنع أياً كان أو تتعامل معه بطريقة عدائية، لأنها المملكة لا تعادي أحداً. والأكيد أنه ليس لنا مشكلة مع أحد، إلا من له مشكلة معنا!