خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عاصر العمل الإداري طويلاً، ومارسه سنوات متواصلة دون ملل، وأحبه وعاش معه، ولهذا فقد استمر على الحضور إلى المكتب مبكراً، وبصفة دائمة دون كلل، وكان يباشر العمل من لحظة دخوله إلى المكتب، إن لم يكن قبل ذلك في المصعد وفي الطريق إلى المكتب عندما يستوقفه البعض ليقدم إليه مطلباً أو مظلمة، وهو مع هذا يقف مع ذلك المتقدم بمعروضه ويستمع إليه.
سلمان اعتاد أن يبدأ في عمله بحماس، حتى نهاية العمل، وتقدم إليه المعاملات، ثم يستقبل المواطنين، ثم يعود للمعاملات ثم المواطنين، وعند خروجه إلى المسجد لأداء صلاة الظهر يستمع إلى عدد من المواطنين القادمين للسلام أو إلى تقديم طلب معين، وبعد الصلاة يحضر إلى المجلس العام لاستقبال أي فرد يرغب أن يتقدم إليه في شأن من شؤون الخاصة، أو حتى شأن عام يرى طرحه عليه.
اعتاد على ذلك، ويرغب في ذلك، لأنه يحب أن يرى الناس ويستمع إليهم، ويحب أن يكون هناك أكبر عدد ممكن ليقدم لهم ما يستطيع، وشؤون هذا العدد الكبير من المواطنين وغير المواطنين مختلفة المشارب، ومتباينة الأغراض، فهي تمتد من طلب المساعدة المالية، أو توظيف الأبناء أو الأقارب، إلى قضايا كبرى تتصل بحق دم، أو مال، أو شؤون عامة ذات علاقة بالأمن وغيره، وهو حفظه الله مع هذا يستمع إلى الجميع، ويوجه على من قدم خطاباً بخصوص مطلبه، أو يدعو أحد مساعديه لمن طلب شأناً عبر المشافهة، ليتخذ الإجراء اللازم.
أن تعمل ذلك فهذا أمر طبيعي، لكن أن تستمر فيه أكثر من نصف قرن، فهذا أمر ليس سهلا أبدا، ولا شك أن هذه المدة الطويلة التي قضاها خادم الحرمين الشريفين أميراً للرياض، قد جمعت في ذهنه حفظه الله الكثير من النوادر والعجائب، وأيضاً الأحداث الجسام التي كان هو مهندس فك رموزها، وكشف طلاسمها، وحل عقدها.
أعلم أنه عندما يقتنع بأمر، فإن طرح رأيه فيه يكون واضحاً جلياً لا لبس فيه، يكتبه إلى الملوك الذين عاصرهم بمفردات وجمل واضحة ومباشرة، دون ترك احتمالات ربما يطرحها الغير أثناء مسيرتها عبر المكاتب، واللجان، وهو مع هذا يتابع الأمر حتى يتم اتخاذ القرار المناسب حوله، وهذا ديدنه دائماً في الكثير من الملفات التي تصل إليه يومياً.
هناك عدد لا يحصى من الناس الذين يفدون إلى قصر الحكم، منهم من هو جديد يتقدم بطلبه للمرة الأولى، ومنهم من اعتاد على مراجعة الإمارة بصورة دائمة لموضوع بعينه، أو لعدد من المواضيع التي تجدد بين الفينة والأخرى، وهو حفظه الله يكتفي في الغالب بمرور المعاملة أو المراجع مرة واحدة، حتى يرسخ صورة المتقدم وعائلته أو قبيلته في ذهنه، وكذلك موضوع المعاملة، وما يكتب عليها. وعندما يعود مرة أخرى، ويحاول المراجع أن يغير شيئاً في المضمون، فإنه حفظه الله غالباً ما يذكره بأنه قد قدم خطاباً يشمل على معلومات تختلف عن المعلومات الجديدة التي رفعها من قبل، وهناك من يستغرب من قدرته على الإلمام بهذا العدد من المعاملات وأيضاً معرفة صاحبها، فالبعض يعتقدون أن مشاغله الكثيرة والمختلفة قد لا تتيح له استذكار موضوع مر ضمن أوراق عديدة، ومعاملات كثيرة، قدمها أناس كثيرون خلال أيام متواصلة.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لا يكتفي، بعمله المكتبي اليومي، فهو كذلك يقوم بالاطلاع على بعض المعاملات في منزله، أو حتى في سيارته، والمهم أنه سعيد بذلك، رغم أن بعضاً من مواضيع المعاملات قد لا يجلب السعادة.
وخادم الحرمين الشريفين حفظه الله، عبر خبرته الطويلة، ينزل الناس منازلهم سواء كان ذلك في المكتب أو المنزل، ويحاول جاهداً أن يرضي الجميع، إذا لم يكن في إرضاء البعض مساس بالآخرين، أو بأمن الوطن والمواطن، ويحرص كل الحرص على إنهاء المعاملات بأسرع وقت ممكن، وعندما تقدم إليه معاملة معينة فإنه يبدأ بالورقة الأخيرة ليبني عليها الخطاب الموضوع في الصفحة الأولى.
وهو يتم ذلك بسرعة فائقة، وغالباً ما تقع عينه على الموضوع المطلوب، وكذلك الأخطاء أو المغالطات التي قد يحويها الخطاب.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يتقيد تقيداً كبيراً بالمواعيد ويحرص على الالتزام بها، وكثيراً ما يرسل لمحات من عينيه إلى ساعته حتى يكون دقيقاً في موعده، دقة متناهية، وهذا ينطبق على جميع مواعيده المهمة وغير المهمة، ومع الكبير والصغير، فكل شيء عنده في الموعد مهم، والحقيقة أن الالتزام بالمواعيد تدل على احترام الذات، واحترام الآخرين.
وفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وحفظه ورعاه، وأدام الأمن والاستقرار على هذا البلد الكريم.