د. عبدالرحمن محمد السلطان
ذكر رئيس اللجنة الوطنية للحديد في حديث له نشر أمس الاثنين في صحيفة الاقتصادية أن قيمة الفائض من الحديد في المصانع الوطنية تتراوح بين 2.3 و2.5 مليار ريال سنويا، ما يكبد المصانع الوطنية للحديد خسائر إن لم يتم تصريف الفائض الذي يتجاوز مليون طن سنويا من خلال تصديره، وأن التصدير سيمنح المصانع الوطنية فرصة للتصدير والبيع بسعر التكلفة للدول المجاورة، وتوقعه استخراج التراخيص اللازمة من وزارة التجارة خلال الأسبوع المقبل، والانتهاء من التنسيق بين وزارة التجارة والجهات المعنية مثل الجمارك خلال فترة أخرى تراوح بين أسبوع وأسبوعين، ليتم تصدير أول شحنة من الحديد الوطني للأسواق الخارجية مطلع الشهر المقبل .
وإن كان ما ذكره رئيس اللجنة صحيحا فإنه يظهر تغييبنا التام للمبررات الاقتصادية التي عادة ما تدفع دول العالم إلى تصدير منتجاتها للخارج. فأي من هذه المبررات لا تنطبق على تصدير الحديد وغيره من السلع التي تدعم الدولة عملية إنتاجها، فالدولة دعمت إنتاجها بهدف تامين حاجة السوق المحلية منها بسعر مناسب لا لتجعلها قادرة على المنافسة في السوق العالمية بصورة مصطنعة غير حقيقية.
من ثم فالسلع المدعومة يجب ألا يسمح بتصديرها مهما كان هذا التصدير يخدم المصالح الضيقة لمنتجيها، والمصلحة الوطنية تتحقق في حظر تصدير مثل هذه المنتجات طالما أن تكلفة الإنتاج التي يتحملها المنتج تقل كثيراً عن تكلفتها الاقتصادية الحقيقة في ظل الدعم الحكومي الهائل لمصادر الطاقة التي تشكل الجزء الأكبر من تكلفة إنتاج معظم السلع التي يطالب منتجيها حاليا بالسماح لهم بتصدير فائض إنتاجهم .
إن تشجيع الصادرات هدف اقتصادي تسعى إليه جميع دول العالم، لكنه يصبح مجزيا عندما تترتب عليه مكاسب اقتصادية حقيقية، أما عندما تترتب عليه تكاليف اقتصادية كما هو حال كافة السلع التي تُدعم تكاليف إنتاجها من خلال دعم مصادر الطاقة كالحديد والاسمنت مثلا، أو من خلال عدم تحمل المنشأة للتكلفة الاقتصادية الحقيقية للموارد التي تستخدمها كما هو الحال بالنسبة للمياه في حالة السلع الغذائية كالألبان والدجاج ونحوها، فإن تصدير مثل هذه المنتجات يصبح عبئا اقتصاديا هائلا على الاقتصاد لا ميزة أو مكسب اقتصادي يسعى إليه ويمثل هدرا غير مقبول ولا مبرر لموارد نادرة .
من ثم فهناك أضرار كبيرة تلحق باقتصادنا الوطني جراء صادرات نعتقد خطاء أنها تمثل نجاحاً في تنويع اقتصادنا ومصادر دخلنا، بينما هي في الواقع استنزاف غير مقبول لمواردنا الناضبة نحن في أمس الحاجة إلى المحافظة عليها وضمان حسن استغلالها .
والعجيب أن هذا الخلل في استيعاب حقيقة المكاسب الاقتصادية من تصدير السلع لا يقتصر على سلعة الحديد بل نجده حاضراً في معظم السلع التي يتم تصديرها حاليا، حيث نجد أن معظم صادراتنا سلع مدعومة بشكل كبير أصبحت قادرة على المنافسة خارجيا بفضل عدم تحمل مُنتِجيها لكامل التكلفة الاقتصادية للموارد النادرة التي تستهلك في عملية إنتاجها حتى وإن لم تحضا بدعم حكومي مباشر، كما هو حال صادراتنا من منتجات الألبان والسلع الغذائية الأخرى التي يستهلك إنتاجها كميات هائلة من المياه، ما يجعل تصدير الحليب في حقيقته تصديرا للمياه، ومن غير المنطقي أن تصدر المياه من بلد صحراوي يعاني من شح هائل فيها .
على كل حريص، أن يدرك أن تصدير السلع المدعومة وخاصة عندما يكون هذا الدعم من خلال تسعير متدن لموارد نادرة كمصادر الطاقة والمياه لا يخدم مصلحة اقتصادنا الوطني بل ويلحق بالغ الضرر به، وأقل ما يمكن القيام به للتخفيف من حدة هذا الضرر هو فرض رسوم تصدير تضمن استعادة كامل الدعم الذي حصل عليه منتجو هذه السلع، تساوي الفرق بين التكلفة الاقتصادية للموارد التي يستخدمونها وبين ما يتحملونه من هذه التكلفة فعلا، تدفع عن كل وحدة يرغبون في تصديرها، على سبيل المثال، إذا كان هذا الفرق يبلغ ألفي ريال لطن الحديد الواحد مثلا، فإنه يجب فرض رسوم تصدير تبلغ الفي ريال على كل طن حديد يتم تصديره .