السرعة التي تمت بها عملية إعادة ترتيب بيت الحكم بعد وفاة المغفور له إن شاء الله الملك عبد الله بن عبد العزيز التي أخرست وأنهت كل حديث عن عدم استقرار المملكة أو عدم وضوح تسلسل الحكم في المرحلة القادمة تعكس بوضوح تام الحزم والكفاءة الإدارية التي لازمت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز خلال مسيرته الإدارية الطويلة، ما يجعلني متفائلا جدًا بأننا مقبلون إن شاء الله على مرحلة يتم فيها تحقيق معالجة شاملة وجذرية للملفات الاقتصادية الشائكة التي تواجه اقتصادنا حاليًا التي يمكن ترتيبها بحسب سهولة الحل على النحو التالي:
1- مشكلة الإسكان: حيث تسبب غلاء الأراضي والأداء المتواضع جدًا لوزارة الإسكان رغم كل ما وفر لها من موارد مالية وأراضٍ حكومية في استمرار تفاقم هذه المشكلة الخطيرة التي أصبحت القضية الأهم بالنسبة لمعظم العائلات السعودية، فحتى إن كانت العائلة تملك مسكنًا فهي قلقة من عدم قدرة أبنائها على امتلاك مساكن خاصة بهم. وحل هذه المشكلة لن يكون ممكنًا ما لم تفرض رسوم سنوية على الأراضي غير المستغلة ضمن النطاق العمراني للمدن ما سيسهم في حدوث تراجع كبير في أسعارها، وما لم يصحح الأداء المتدني لوزارة الإسكان الذي لا يمكن قبوله ولا تبريره خاصة في ظل ما توافر لها من دعم وخطورة وأهمية الدور المناط بها تنفيذه.
2 - تواضع نسبة مشاركة العمالة المواطنة في سوق العمل: بالرغم من أننا نتحدث دومًا عن ارتفاع معدلات البطالة في المملكة إلا أن لدينا معضلة أهم وأشد خطورة، لا تعكسها معدلات البطالة مهما ارتفعت، ألا وهي تدني نسبة مشاركة من هم في سن العمل من المواطنين في سوق العمل. فبسبب المنافسة الشديدة وغير العادلة التي تواجهها العمالة المواطنة من العمالة الوافدة الرخيصة فقد حدث انسحاب قسري واسع للعمالة المواطنة من سوق العمل بحيث لا يتعدى مجمل مشاركة المواطنين في سن العمل في سوق العمل 36 في المئة، وتنخفض هذه النسبة بالنسبة للإناث بحيث لا تتجاوز 12 في المئة.
وعلاوة على ما يمثله ذلك من هدر غير مقبول ولا مبرر لموارد بشرية ضخمة أنفق الكثير في تأهيلها فإنه تسبب أيضًا في ارتفاع معدل الإعالة وانخفاض مستويات الدخل العائلي وتزايد الفقر. ما يجعل من الضروري وضع إستراتيجية شاملة لتفعيل دور الموارد البشرية السعودية وتقليل اعتمادنا على العمالة الأجنبية، ومن غير المقبول أن نستمر في هدر الجهد والوقت في برامج ثبت عدم جدواها وتسببها في تفاقم المشكلة بدلاً من حلها.
3-تفعيل وتوحيد عملية التخطيط الاقتصادي الإستراتيجي: تجارب الدول التي نجحت في إحداث نقلة نوعية هائلة في أداء اقتصادياتها كسنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا تثبت بما لا يدع أي مجال للشك الدور المحوري للتخطيط الاقتصادي في تفعيل ورفع كفاءة استخدام الموارد الاقتصادية وفي القدرة على حل المشكلات الاقتصادية المستعصية.
ونحن في المملكة في ظل الدور المحوري للقطاع الحكومي في الاقتصاد الوطني في أمس الحاجة إلى إنشاء جهاز تخطيط واسع الصلاحيات عالي الكفاءة منفصل عن الجهاز التنفيذي للدولة يتولى وضع الخطط الإستراتيجية وفق منظور شمولي ويكون مسؤولاً عن مراقبة ومتابعة أداء الأجهزة التنفيذية، ما يضمن التزامها التام بتنفيذ ما وضع من خطط وفق برامج زمنية صارمة لا يحاد عنها تحت أي ظرف أو لأي سبب كان. فضعف وزارة الاقتصاد والتخطيط وهامشية دورها شتت عملية التخطيط الاقتصادي وتركها لأجهزة تنفيذية لا تملك القدرة على ذلك فتدنت كفاءة عمليات التخطيط الاقتصادي وأصبحت الخطط الموضوعة غير قادرة على تحقيق الأهداف وتفتقر إلى الاتساق والتكامل، ما حد من قدرتنا على حل مشكلاتنا الاقتصادية وأعاق جهود تنويع مصادر الدخل والحد من اعتمادنا المستمر والمتزايد على مواردنا النفطية الناضبة.
إن ما ننعم به من أمن واستقرار وما يتوافر لدينا من موارد تجعلنا مؤهلين لتحقيق نقلة نوعية في مستوى أداء اقتصادنا وفي مستوى معيشة مواطنينا، وكل ما نحتاج إليه حسن التدبير والإدارة الحازمة التي لا تقبل تواضع الأداء وهي بفضل الله متوافرة الآن أكثر من أي وقت مضى، ما يجعلنا مؤهلين للانطلاق بقوة نحو تحقيق تنمية اقتصادية نوعية شاملة.