لن استعرض ما أفاض به الكتاب والمتابعون من المحللين العرب والأجانب في تناول مسيرة الملك عبد الله بن عبد العزيز.. ولكني سأذكر بكل شكر وتقدير بضع جوانب ارتبطت به وبعهده التقدمي الذي ردمت فيه المملكة فجوات عقود من السير مكبلة إلى الوراء.
هو من جاء بفكرة الحوار بكل أبعادها ودعمها بكل ما يملك من قوة, الحوار الوطني والحوار الفكري وحوار الأديان. وأسس مركز الحوار الفكري في الوطن ومركز حوار الأديان في النمسا في مواجهة الكثير من الإصرار على الاختلاف.
وهو من بنى الحرس الوطني وجعل منه سلاحا يحمي الوطن وأمنه وسلامه.
وهو من ابتدأ أنجح مهرجان ثقافي عربي «الجنادرية» الذي أوصل ثقافة المملكة الشاسعة والثرية بتعدد مذاقات ميراث فنونها وآدابها ومعمارها ورقصاتها إلى الجيل الحالي الذي لم يعرفها بعد أن غيرت سنوات الطفرة وقيمها أسلوب حياتنا .. فكان أن حماها من الاندثار.
وهو من وقف ببسالة وفروسية الحكمة في وجه استشراء التشدد ونزق التطرف والغلو والتصدع الفئوي والمذهبي مؤسسا لمنهج الوسطية والتعددية والاعتدال محاولا استعادة الاتزان الفكري والمجتمعي.
وهو من أصر على معرفة الحقيقة كما هي دون رتوش , فزار الفقراء والأسواق والطلاب في الخارج والتقى بالنساء ليسمع تفاصيل ظروفهن.
وهو من قبل تحديات بناء تنمية مستدامة وشاملة فأصر على تنويع مصادر الدخل وأسس صناعة التعدين وتابع أداء مراكزها في مناجم مهد الذهب ووعد الشمال رأس الخير .
وهو من أحدث أكبر توسعة في الحرم الشريف ليستوعب تنامي أعداد زوار بيت الله وواصل تقديم الرعاية لهم وحمايتهم.
وهو من مد يده مصافحا إلى الجميع داعيا إلى السلام فحل مشاكل الأشقاء المتنافرين, وتقدم بمبادرة السلام ,و سافر إلى البلاد القريبة والبعيدة في القارات البعيدة .
وهو من ناصر المرأة وأعاد إليها إنسانيتها وحقوقها الشرعية التي سلبها منها الأقربون تحت سلاح الأعراف.. وذكر الجميع أن المرأة هي الأم والأخت والبنت التي تستحق الحب والاحترام.
وهو من فتح للمرأة السعودية بوابة الحضور الكامل حين عينها بأعلى مواقع صنع القرار وفي مجلس الشورى بعضوية كاملة وبأعلى نسبة.
وهو من ظل همه الأول إسعاد المواطن فأصر على تطوير التعليم وتعديل القضاء والرقي بخدمات الصحة والإسكان.
الرجل الذي احترمه زعماء العالم المتحضر على اختلاف توجهاتهم وقدروا حكمة مرئياته وحلوله لقضايا تفترس الأمن والسلام.
الملك الصالح الذي اهتم بجوهر الإصلاح وليس الصخب بشعاراته كما في الجوار الذي حاصرته الثورات والدموية.. غادرنا قبل أن يهنأ برؤية أحلامه لنا تتحقق وتثمر .
ورغم الحزن الذي اعتصر قلوبنا لفراقه, يبقى لنا الحلم والتفاؤل والأمل والإيمان بالله وبمن سيحمل بعده لواء الإصلاح واستمرار البناء نحو التقدم والتنمية المستدامة, أخوه الذي توشح بعده بوشاح خادم الحرمين الشريفين, وسمع منه وصيته بالدين والشعب والوطن ,الملك سلمان بن عبد العزيز. ندعو الله أن يوفق خطاه ليكمل المسيرة المميزة ويحقق أحلام الملك الصالح. وله منا أن نقف معه لنحارب الفساد والمفسدين, ونفشل أطماع المترصدين, ونستكمل معا بأيدينا وعقولنا وقلوبنا ما بدأ به أبوه وإخوانه ليثمر وطنا للجميع يقوم على الصدق والوفاء والإخلاص والقيام بالمسؤولية.