د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
بمناسبة اليوم الوطني في 23-9-2014 كرمت سفارة خادم الحرمين الشريفين بلندن الطلبة والطالبات المتميزين إبداعياً ودراسياً، غمرتني الفرحة وأنا أستمع إلى إبداعات مجموعة من الطلاب والطالبات، وكيف أن مجموعة من شركات القطاع الخاص تهافتوا لاستقطاب تلك الاكتشافات والإبداعات في سباق محموم بين الشركات.
هذا النوع من العلاقة الاستثمارية بين التعليم والقطاع الخاص يمثل حاضنة استثمارية لدعم الاستثمار في العقول وهو أفضل دعم مستحق في مواصلة الباحثين في إبداعاتهم والتفرغ للبحث العلمي نتيجة الحصول على عوائد مستدامة تدر عليهم من الاستثمار في مكتشفاتهم وإبداعاتهم.
وينظر السياسيون إلى التعليم العالمي بعد الأزمة المالية التي ضربت العالم عام 2008 باهتمام بالغ، ويضعون دائما تساؤلاتهم عن مدى تحقيق الجامعات الأهداف الثلاثة الجودة –الكمية –التكلفة – بشكل متزامن قد يصعب معه قياس جودة التعليم لكنه يقود إلى تحقيق التنافسية بين الجامعات.
بينما يؤكد الاقتصاديون الذين درسوا العلاقة ما بين التعليم والنمو الاقتصادي بأن عدد الشهادات الجامعية ليس بأهمية كيفية تمكن الطلاب من تطوير مهارات مثل التفكير النقدي، والقدرة على المجازفة، وحل المشكلات التي تعترض المجتمع.
السؤال الذي بحاجة إلى إجابة واضحة، هل يتمكن مثل هؤلاء الطلبة المبدعين والمتميزين الاستمرار بعد عودتهم من الخارج إلى وطنهم من تحقيق غاية بعثات الملك عبد الله التي هدفت إلى القفز فوق السائد، والتخلص من التعليم التقليدي السائد في التعليم الجامعي داخل السعودية.
وهل يمكن تطبيق التنافسية التي تعلموها في الجامعات الغربية وتطبيقها في الجامعات السعودية بعد عودتهم؟ أم أنهم سيصطدمون بواقع يحبط كل آمالهم، ويتحولون إلى أساتذة تقليديين، نتيجة بيئة تنظيمية لا تفرق بين المبدع المتميز وغير المبدع المتميز، بل قد يواجه المتميزون من استبداد وطغيان وغطرسة باسم النظام وحمايته ما يزيدهم إحباطا.
قد يكون من الأجدى والأفضل إنشاء جامعة ناشئة جديدة تكون حاضنة يديرها مثل هؤلاء المبدعين العائدين من الخارج يتولون إنشاء مراكز بحوث، وربط تلك الجامعة الناشئة بالجامعات التي تخرجوا منها، لتقديم نموذج جديد على غرار الجامعات التي تخرجوا منها مخالفا لواقع الجامعات السعودية التقليدية، ويتم استقطاب نفس الأساتذة الذين تلقوا على أيديهم الإبداع والتميز، وغرسوا فيهم روح التنافسية والبحث العالمي، أو على الأقل التعاون معهم حتى تقوم الجامعة على أسس جديدة بعيدا عن الأسس التي قامت عليها الجامعات السعودية التقليدية.
ومواصلة نفس البحوث في الجامعة الجديدة، واستقطاب نفس الشركات العالمية لنقل التجربة الجديدة إلى الشركات المحلية في كيفية استثمار تلك البحوث التي يمكن أن تتحقق عبر شراكات متعددة وتعتمد الجامعة نفس المعايير التي تطبقها الجامعات التي أتوا منها في قبول الطلبة المتميزين أو الذين لديهم القدرة على الإبداع والبحث العالمي.
يجب التحرر من الاقتصاد الريعي والرعاية الكاملة المقدمة من قبل الدولة من دون مشاركة مجتمعية، فإن المستقبل يكمن في المشاريع المتكاملة ليس فقط على الصعيد المحلي بل أصبحت حتى على الصعيد العالمي.
الشركات والبلدان تبحث عن مصادر جديدة للنمو والإنتاجية، فالبيئة العالمية قامت فعليا بتسريع الحاجة إلى هذه البنية التي سمحت بقيام مشاريع أصغر وأكثر مرونة والتي بنيت من الصفر استنادا إلى خطوط عالمية، في ظل منافسة عالمية شديدة.
يمر العالم بعملية تحول وتأقلم مع ظروف السوق المتغيرة باستمرار، ما يفرض عليها أن تمتلك قدرات ديناميكية وحيوية على مواجهة تلك التغيرات السريعة.
الشركات الأكثر صغرا، والشركات الناشئة ترى فرصا وإمكانات في أنموذج المشاريع المتكاملة على الصعيد العالمي، على اعتبار أن الخدمات القائمة على أدوات البيانات الكبيرة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، تمنحها منصة لتجاوز المجموعات الأكثر بيروقراطية فلن يتحقق ذلك في ظل تعليم تقليدي لا يركز على الإبداعات والاكتشافات الرافد الأساسي لأي تحول وتغير.
الابتكار أصبح شرطا أساسيا للنمو الاقتصادي المستدام، والابتكار ليس بالضرورة للدول المتقدمة فقط، ولكن أيضا للأسواق الناشئة التي تحصل على فوائد قليلة فقط من نقل أفضل ممارسات الدول المتقدمة.
تشجيع الأفراد على الابتكار من أجل تعزيز النمو الاقتصادي، هناك دراسات هيمنت عليها الدراسات العنقودية، والتي عادة ما تركز على تحسين الإنتاجية في الاقتصادات والمناطق الناشئة ضمن الاقتصادات المتقدمة.
نتيجة ذلك تحول اهتمام صناع السياسة من محاولة فهم ما يطلق عليه النمور الآسيوية إلى خلق مجموعات عنقودية ناجحة على غرار السيلكون فالى التي لديها خصائص لا يمكن تقليدها بسهولة في أماكن أخرى. التدخل الحكومي الاستراتيجي المبكر بما في ذلك التخطيط والدعم الحكومي وملكية الدولة عزز من النمو الاقتصادي القائم على الابتكار المتعددة في إسرائيل وكوريا الجنوبية وتايوان غير متوافر بكل بساطة في دول عديدة.