محمد بن عيسى الكنعان
في خضم أجواء الحزن التي خيمت على بلادنا بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -يرحمه الله-، فجر يوم الجمعة 23 يناير 2015م، كانت وسائط التقنية على الأجهزة الذكية، ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية على (الإنترنت) تعج بعبارات التعازي، وكلمات النعي المختلطة بمرارة الوجع على فقيد الوطن، ومن جهة أخرى تدفقت مشاعر الولاء وإعلان البيعة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز، ولولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية -حفظهم الله جميعاً-.
خلال ذلك استوقفتني جملة عميقة المعنى، واضحة المغزى، لا أعرف كاتبها أو من هو صاحبها؟ ولكنها ترجمت بطريقة غير مباشرة مشاعر الملايين من المواطنين في طول البلاد وعرضها، تقول الجملة: « نمت ليلة الخميس وأنا في عهد الملك عبدالله، واستيقظت يوم الجمعة وأنا في عهد الملك سلمان، فلا اضطرابات، ولا حالة طوارئ، ولا حكومة انتقالية..». فعلاً كان هذا هو الواقع السعودي المشرق بالتلاحم، والمميز بالثبات والاستقرار، تمثل بانتقال سلس للسلطة في مؤسسة الحكم، ما يعكس متانة الدولة، وسلامة نهجها السياسي القويم، وثراء تجربتها الملكية.
لقد راهن مراقبون ومحللون سياسيون (غربيون وعرب)، على مرحلة ما بعد الملك عبد الله، بأنها ستكون منعطفاً صعباً للمملكة العربية السعودية، وامتحاناً عسيراً لمؤسسة الحكم فيها، فسقط رهانهم، وخاب فألهم، وجاءت الأمور بأفضل ما يظنه أكثر المتفائلين، حتى أن (الإيكونيميست) البريطانية قالت: « السعودية أكثر استقراراً مما نظن..»، كما قالت: « أثبتت المملكة حتى الآن خطأ أولئك المتشككين..». وبهذا الانتقال السياسي تبرهن المملكة على أنها راسخة الكيان، شامخة البنيان، متماسكة بين قاعدتها الشعبية الوفية، وحكومتها القوية، وقيادتها الرشيدة. وهي بذلك تنسجم مع موروثها السياسي العريق لدى حكامها من آل سعود، وتؤكد شرعيتها التاريخية المتأصلة في نفوس أبناء المملكة. لذلك توافدت جموع المواطنين من مختلف مناطق المملكة المنتشرة على رقعتها المترامية الأطراف لهدف المبايعة الشرعية، تعبيراً عن الانتماء الوطني، والولاء السياسي، في مشهد يدل دلالة واضحة على أن السعودية لازالت بعافيتها، وأن مؤسسة الحكم فيها متينة، وقيادتها مُدركة تماماً لطبيعة التحولات العالمية، والاضطرابات الإقليمية. خاصةً في النقلة النوعية لهذه المؤسسة العريقة بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، ولياً لولي العهد، وبهذه المرحلة الحرجة التي تمر بها كل الأمة تحديداً، التي تتطلب رجل دولة من الطراز الأول، وبالذات في الشأنين السياسي، والأمني.
كما أن البيعة التي تمت بعفوية وإيمان من الشعب السعودي للملك سلمان، وولي عهده، وولي ولي العهد، تعكس عمق الوعي لدى هذا الشعب الأصيل في متطلبات المرحلة التاريخية التي تمر بها المنطقة، مثلما تؤكد أن البيعة هي خير وسيلة، وأفضل صمام أمان - بأمر الله - لاستقرار نظامنا السياسي، بما يحمي وحدتنا، ويعزز لحمتنا، وبالتالي يحافظ على كل مكتسباتنا الوطنية. لهذا جاءت البيعة كمرساة لسفينتنا على شواطئ الخير، والنماء، والازدهار.
أما الأوامر الملكية الكريمة التي صافحت عقولنا مساء يوم الخميس، 29 يناير 2015م، فكانت سارية سفينتنا المبحرة وسط محيطات التنمية وبحور الإنتاجية والنهضة، حيث حملت ملامح التحديث في مفاصل الحكومة، تمثل في دمج وزارتي التعليم والتعليم العالي، واستحداث مجلسين رئيسين: (للشؤون السياسية والأمنية، وللشؤون الاقتصادية والتنموية)، مع إلغاء مجالس وهيئات ولجان سابقة، ما يشير إلى تقليص البيروقراطية، وبما يعزز عامل السرعة ويحدد الاختصاص في صناعة القرارات الحكومية، إضافة إلى ضخ مليارات في مجالات التنمية. كما حملت تلك الأوامر الكريمة أسماء وشخصيات تمثل دماء التجديد في جسم الدولة، سواءً على مستوى الوزراء، أو وزراء دولة، أو المسؤولين الحكوميين، حيث ظهرت روح الشباب، ونوعية الخلفية العملية التي ينتمون لها. إضافةً إلى ذلك، حملت تلك الأوامر الملكية الخير وأطلقت طيور الفرح في منازل السعوديين بتلك الأعطيات المالية، على مستوى الرواتب والضمان الاجتماعي، وإطلاق سجناء الحق العام، وغيرها. دام عزك يا وطن وحفظ الله لنا قيادتنا الرشيدة.