يوسف المحيميد
في كثير من دول العالم، يجد الوزراء السابقون، وحتى الرؤساء، عددا من فرص الحياة، بعد مغادرة المنصب، وذلك بالقيام بأدوار مهمة قد لا تقل أهمية عن أعمال حقائب وزاراتهم التي حملوا أعباءها سابقاً، ولا أعني بالضرورة البحث عن مصدر عيش جديد، وإنما شعور الوزير بأنه قادر على أن يستمر عضواً فاعلاً في المجتمع، فمنهم من يتحوّل إلى تأليف الكتب في مجال اختصاصه، وممارسة التدريب في مهنته، ومنهم من يقوم بإلقاء المحاضرات، والمشاركة في الندوات، وفي البرامج التلفزيونية الحوارية، حتى أن معظمهم يقومون بأعمال خيرية، وتطوعية أحياناً.
كثير من وزرائنا الأفاضل، ومنذ سنوات طويلة، يختفون عن الأنظار، ولا يقومون بأدوارهم الاجتماعية المطلوبة، حتى أن بعضهم لا نعرف عنه شيئاً، ولا نسمع عنه خبراً، منذ خروجه من الوزارة، إلا عند وفاته، رحم الله الموتى منهم، وأطال بعمر البقية منهم.
من بين الوزراء الذين لم يتوقفوا عن الحضور بعد خروجه من الوزارة، أو ربما إنجازه الشخصي بعد الوزارة أكثر بكثير منه خلالها، هو الدكتور علي النملة، وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق، الذي كان لديه ثلاثة مؤلفات فقط، وخلال السنوات الخمس التي قضاها في الوزارة لم ينشر شيئاً، لكنه بعدما خرج منها، أنجز أكثر من عشرين كتاباً، وألقى المحاضرات في الجامعات، وغيرها.
ومن بين هؤلاء، الذين اختفوا لسنوات طويلة، كان الدكتور حمد المانع، وزير الصحة السابق، لكنه فاجأنا هذه الأيام بإصدار كتاب يمثل «سيرة وزارية» طرح فيها بعض تجربته في الوزارة، وهي حتماً تجربة جيدة، حتى وإن لم تكن وافية، ولربما فقد أو نسي بعض المعلومات والأحداث، مما يجعلني أتساءل، هل يمتلك الوزراء دفتر مذكرات يدونون فيه يومياتهم الحياتية، ولو من باب التذكير لكتابتها لاحقاً، كسيرة عمل أو وزارة؟
ولا شك أن تجربة الراحل الكبير غازي القصيبي، الذي كان أكثر من مجرد وزير، تجربة ثرية، سواء في كتابه «حياتي في الإدارة» أو في كتبه الأخرى، وحيويته كشاعر وروائي ومفكر صاحب رؤية...
أظن أن من يغويه المنصب، ومن تغرر به الحالة المصاحبة له، من «برستيج» وحضور ومتابعة، هو من لا يستطيع أن يتابع حياته بشكل إيجابي، بعد إعفائه، رغم حاجة المجتمع غالباً إلى هؤلاء، وتقديره لتجارب بعضهم في وزاراتهم، خاصة أنه مرت عليهم ملفات عديدة، لقضايا شائكة، تخص الوطن والمواطن، لذلك فدورهم، في نظري، بعد مغادرتهم المنصب، لا يقل أهمية عنه خلاله، خاصة إذا كان الوزير يدرك ذلك، ويؤمن به، ويعرف أن قيادته لهذه الوزارة أو تلك، هي مرحلة مؤقتة من حياته، يجب ألا يتوقف عندها، بل لابد أن تكون نقطة انطلاقة له، لدور مجتمعي مؤثر وإيجابي.