د. خيرية السقاف
في عدد فبراير 2015 لدورية National Geographic النسخة العربية، كتب
«روب دان»، وصوَّر «مارتن أوغيرلي» في الصفحات 82-93 موضوعاً عن حشرة «العث» التي لا ترى بالعين المجردة... لكن قرأتها بدقة تكبير مذهلة عدسة المصور، وأفضى عن حقيقتها مجهر الباحث..
فالعث يسود حياة البشر في الهواء والتراب، والملابس، والأسِرَّة، والوسائد، والطعام، بل الأشد استنكاراً وغرابة أنه يسكن في وجوهنا التي نغسلها، ورؤوسنا التي نمشطها...!
هو كما قال مارتن: «يختبيء في سريرك، ويتكاثر، وينمو على وجهك، وهو أصغر من النقطة التي في آخر هذه الجملة. إنه كائن مجهري جبار.. يقال له: العث»..!! وهو أيضاً مخلوق مرعب»..!
في المقالة أظهرت الصور المرافقة التي استخدم فيها عدسته «مارتن أوغيرلي» السويسري المتخصص في الدراسة المجهرية العلمية وعالجها بتكبير عدد مرات تفاوتت بين 194، و556، 629، 996، 1500 مرة مجهرياً حشرة العث بأنواعها، حيث أظهرت كائناً «مفزعاً» بتفاصيله يقتحم الحياة، والبشر في حلهم، وترحالهم، في نومهم، ويقظتهم، يتوالد على جلودهم، وأدواتهم وهم في غفلة عنه، وهو في تفاصيله مخيف، بل «مرعب» كما يقول عنه الكاتب روب دان العالم المختص في الأحياء، الباحث في مجال التطور بجامعة ولاية كارولينا الشمالية..
فالعث، الحشرة ذات الحجم الذي لا يرى، هي المخلوق «شديد الصغر إلى درجة أن عشر عثات تستطيع أن تتراقص على رأس دبوس.... «إنها» تتراقص على وجهك ليلاً عندما تتزاوج قبل أن تزحف من جديد إلى مسام شعرك نهاراً حيث تتغذى من جديد» ص84..
فإذا كانت هذه الحشرة تعيش فينا، في الماء الذي يسقى، والجبهة التي تتطلع، والخد الذي يطل، والرأس الذي يفكر، تلك التي تغوص في المسام، والتي «يزيد عدد أنواعها عن مليون نوع، دون أن يستطيع أحد معرفة العدد الفعلي لها»، والتي كما اكتشف الباحث أنها «تغير العالم»، إذ يرى أنها: «تجعل تقلب سطح التراب يحدث بسرعة أكبر أو أصغر، كما تجعل تحلل المواد العضوية يتسارع أو يتباطأ، والمحاصيل واهنة مريضة، أو معافاة قوية،،،»!!..
وهي اللا محدودة الحجم والسطو، المعسكرة في تجاويف المسام، وسطوحها..
ألا تكون مادة خصبة للمتأملين..، للعابثين بالحياة، للجاهلين عن حقائق تغيب عنهم في حِكم ملكوت الخلق، وقدرة الخالق..، وعجز الإنسان، وجهله..؟!
وللباحثين عن الحقيقة في المُثل، والعبر، والأدلة، والبراهين التي يقدمها العلم بسلطانه لهذا الإنسان..؟
ثمة وجه آخر «للعث» يدعو لاستنباط سؤال:
ألا يوجد من البشر عث كثير تفوق أنواعهم، وأعدادهم، وأحجام أفعالهم ما يفعله العث..؟!!
يتكاثرون في مسام حياة الإنسان بخيرٍ ينمي..، أو بضُر يفتك..؟
ألا يوجد من البشر عثٌ يغيرون العالم ..؟!!
فمن يملك عدسة «مارتن أوغيرلي»..؟
ومجهر «روب دان»..؟
إذ كما راهن هو زملاءه بعث الوجوه..!! فوجده حسب مقالته..
فإنني أراهن بوجود عثّ ولكنه بشر يعيشون، يتكاثرون، ينتشرون في تجويفة كل شيء..
وإنهم مرعبون، يغيرون العالم لمصالحهم..،
يتوالدون حيث منافعهم..،
يتكاثرون حيث غاياتهم..،
وحين يحدث أن يتمكن أحد من وضعهم في مجهر التكبير..،
سيدرك المرء كم في الطبيعة من تماثل..!