قال رسولنا عليه الصلاة والسلام: «كفى بالمرءِ كذبًا أن يُحَدِّثَ بكلِّ ما سمِع». إنه حديث صحيح ومر علينا كثيراً. لكن هناك مشكلة: الحديث يمر مرور الكرام. لو وقفنا عليه وتأملنا معناه لأعدنا النظر في كل شيء نفعله، خاصة في هذا الزمن.
في السابق كان الحديث ينطبق على من يتلقى شيئاً بأذنه فيقذفه بلسانه لغيره، بدون التأكد من صحة الكلام. قد يكون الكلام المتناقَل صحيحاً، لكن أيضاً يمكن أن يكون كاذباً. لكن الضمير مرتاح.. الضمير يقول: جاء من غيري، فالعهدة عليهم، إنما أنا ناقل، ولو كان المنقول كذباً فالذنب على من اختلقه. ويهز هذا الناقل كتفيه بلا مبالاة وقد نفض إحساس الذنب بعيداً.
كانت هذه المشكلة -أي نقل كل الكلام بلا تدقيق ولا تَثَبُّت- موجودة في السابق، لكن اليوم صارت وباءً. لم تظل مجرد مشكلة مزعجة.. لقد تضخّمت الآن، والسبب: التقنية. عصر الجوالات والإنترنت غيّر مفاهيم كثيرة، أولها التواصل البشري. كانت الكذبة تحتاج أشهراً وربما سنيناً لتصل لبلدٍ آخر في أيام المشي والدواب، ثم أتى غوتنبيرغ في القرن الخامس عشر الميلادي فاخترع الطباعة (قوالب الحروف وحبر وورق) فتوسّعت المنشورات في الوجود بعد أن كان كل شيء بخط اليد، وفي القرن التاسع عشر ظهر اختراعان ثوريّان: التلغراف والهاتف، وهذان قَلَبا التواصل البشري رأساً على عقب. لقد «اختفت المسافة» الآن. الأميال الطويلة لم يعَد لها معنى في عالم الاتصال، وصارت الرسالة تصل لمدينة أخرى في ثوانٍ بسيطة. الآن صارت المعلومات وكذلك الإشاعات والأكاذيب أقدر على الانتشار من قبل. ظل هذا الوضع عشرات السنين حتى أتى عصرنا اليوم.. عصر الإنترنت والجوال. في هذا العصر لا تحتاج الكذبة سنيناً ولا أشهراً ولا حتى دقائق.. لا تحتاج إلا ثوانٍ حتى تصل لأرجاء الأرض كلها. يكذب أحدهم في الإنترنت (موقع أخبار، تويتر إلخ) فيُقرأ الكذب ويعيد المتابعون إرساله فوراً، وفي أقل من 10 ثوانٍ تُرسَل الكذبة مئات آلاف المرات في كل أطراف الكوكب!.
في الجوال نفس الخطر، فبرامج المحادثة تنشر الأكاذيب في لحظات. يُرسل لك أحدهم حديثاً مكذوباً على رسول الله، أو خبراً مُلفّقاً، أو مقولةً نُسِبَت زوراً لأحد الناس، فتُرسِل الرسالة لمجموعة كاملة من الناس، مثل كرة الثلج التي تتدحرج صغيرة من رأس الجبل، فإن الكذبة لا تصل للسفْح إلا وهي كرة عملاقة من الأكاذيب.
والمسؤول.. هل تعلم من هو؟ إنه أنت. إنه أنا.. وهي.. وهم. إنَّ الذي يُرسل كل رسالة فوراً في برامج المحادثة والإنترنت والرسائل النصية فليخشَ أن ينطبق عليه كلام رسول الله لما وصفه أنه من أشد الناس كذباً. من يُرسل كل شيء بلا تدقيق أو تحقيق أو تحرّ فهو حلقة من سلسلة الكذب.
الإنترنت موجودة.. لا تُرسل حديث رسول الله إلا إذا بحثت عنه في مواقع الحديث وتأكدت من صحته. لا تُرسل خبراً إلا وقد فحصتَ أصله، وإذا لم تستطع تأكيده ولا تكذيبه فلا تُرسله. لا ترسل تفسيراً لآية إلا وأنت متأكد من صحته.
لا تبؤ بالإثم.. إن إرسالك لعشرات ومئات وآلاف الرسائل التي لا تدري أهي كذب أم حق سيعرضك للحساب أمام الله، ناهيك عن تلويث المجتمع بالأكاذيب والشائعات.. برامج المحادثة، الإنترنت.. لديك مسؤولية، فأحسن العمل فيها.